بعد خمس سنوات من توقيع اتفاقيات التطبيع التي رعاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي هدفت إلى تطبيع العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي وعدد من الدول العربية، تواجه هذه الاتفاقيات اختباراً حقيقياً غير مسبوق؛ فالهجوم الإسرائيلي الأخير على قادة حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، والذي يأتي في سياق حرب غزة المدمرة، قد أثار حالة من الغضب والاستياء في المنطقة، مما دفع العديد من الدول لإعادة تقييم علاقاتها مع "تل أبيب".
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، فإن هجوم الدوحة قد وضع المنطقة بأسرها على حافة الهاوية، وخصوصاً دول الخليج الغنية التي عقدت سلسلة من الاجتماعات الدفاعية المشتركة الطارئة لتقييم التهديدات التي تشكلها "إسرائيل"، في إشارة إلى الإمارات.
هذا التحول في الموقف يعكس شعوراً متزايداً بأن "إسرائيل"، وليس إيران، هي من باتت تمثل أكبر خطر على السلام والاستقرار في المنطقة.
منذ السابع من أكتوبر 2023، أدت حملة عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في غزة، إلى تدهور كبير في العلاقات التي كانت قد بدأت في التحسن. فبينما كانت الإمارات تستقبل وزراء إسرائيليين علناً، أصبح هذا الأمر شبه مستحيل الآن.
وفي هذا السياق، رفض ، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، مقابلة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما لم يمر يوم تقريباً دون أن تدين السعودية "إسرائيل" وتتهمها بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة.
وبحسب مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، باربرا ليف، فإن الحرب على غزة قد "أحبطت أي شعور إيجابي" كان موجوداً لدى الشعوب تجاه التطبيع، مما جعل فرص أي "تطبيع أوسع نطاقاً" مستحيلة حالياً.
الهجوم على قطر لم يكن الحادث الوحيد الذي زاد من التوترات، فقد شنت مقاتلات الاحتلال الإسرائيلي ضربات جوية على لبنان وسوريا واليمن وإيران خلال العام الماضي، مما دفع الدول التي لديها اتفاقيات سلام طويلة الأمد معها، مثل مصر والأردن، لإعادة النظر في معاهداتها.
وفي هذا الصدد، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن تصرفات تل أبيب "تعيق أي آفاق لاتفاقيات سلام جديدة، بل وتجهض الاتفاقيات القائمة". وتنظر كل من مصر والأردن إلى أي خطط إسرائيلية لضم المزيد من الأراضي أو تهجير الفلسطينيين كتهديد وجودي لأمنهما.
وأشار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى أن إسرائيل تشكل "تهديداً كبيراً" للمنطقة، خاصة بعد تصريحات نتنياهو الأخيرة حول فكرة "إسرائيل الكبرى" التوسعية.
العدوان الإسرائيلي المتزايد لم يزد من العداء تجاه التطبيع فحسب، بل أدى أيضاً إلى ضغوط متزايدة على الحكومات العربية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد "إسرائيل" تتجاوز الإدانة اللفظية. وقد دعا البيان الختامي للقمة الإسلامية والعربية الأخيرة في الدوحة الدول الأعضاء إلى النظر في فرض عقوبات على "إسرائيل" وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها.
ورغم هذه التطورات، يرى مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون أن هذه الانتقادات العربية هي مجرد رد فعل مؤقت، وأن جهود التطبيع ستستمر. لكن التطورات الأخيرة كشفت أن ما تسمى "اتفاقيات إبراهيم" لم تفصل التطبيع عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل كامل كما كان مأمولاً.
على الصعيد اليمني، تتزامن هذه التطورات مع استمرار الصراع الذي تشارك فيه أطراف إقليمية. وتنظر جماعة الحوثي، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال اليمن، إلى الحرب في غزة كفرصة لتعزيز موقفها في المنطقة، وتصعيد هجماتها على السفن في البحر الأحمر، في محاولة لإظهار التضامن مع القضية الفلسطينية، وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
وفي ظل تزايد حدة التوترات بين الاحتلال الإسرائيلي ودول المنطقة، يزداد القلق من اتساع رقعة الصراع ليشمل أطرافاً أخرى، وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على مستقبل أي محادثات سلام في اليمن، ويزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد.