أحدث الأخبار
  • 01:19 . القضاء التركي يصدر مذكرات توقيف بحق نتانياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين... المزيد
  • 01:17 . المدارس تستبق الأعطال بخطة تقنية متكاملة لضمان اختبارات رقمية آمنة... المزيد
  • 12:39 . الإمارات تُرسل فريقاً إغاثياً مشتركاً ومساعدات للمتضررين من زلزال أفغانستان... المزيد
  • 12:33 . في دهاليز محكمة أمن الدولة.. القصة الكاملة لثاني أكبر محاكمة سياسية في الإمارات... المزيد
  • 12:23 . أفغانستان تتهم باكستان بإفشال مباحثات السلام في تركيا... المزيد
  • 12:16 . الإمارات.. الأمن السيبراني يحذر من هجمات خطيرة" تستهدف مستخدمي واتساب... المزيد
  • 11:50 . السودان يرفض اتفاق السلام الذي تشارك فيه أبوظبي... المزيد
  • 11:20 . ترامب يعلن عدم مشاركة بلاده في قمة الـ20 بجنوب أفريقيا... المزيد
  • 11:18 . تونس.. الغنوشي ونشطاء سياسيون يضربون عن الطعام تضامنا مع بن مبارك... المزيد
  • 08:38 . في غرفة العناية المركزة... دقيقة تصنع الفارق وأزمة السرير تفتح نقاش العدالة في العلاج... المزيد
  • 08:36 . "الموارد البشرية" تعتمد لائحة جديدة تنظم عمل مراكز الأعمال وتحدد مخالفاتها وعقوباتها... المزيد
  • 08:35 . عطل فني يؤخر إقلاع طائرة كويتية إلى الفلبين دون وقوع إصابات... المزيد
  • 08:35 . الرئيس الإيراني: لن نتخلى عن برنامجنا النووي ولا الصاروخي... المزيد
  • 12:02 . مجلس الأمن يرفع العقوبات عن الرئيس السوري ووزير الداخلية... المزيد
  • 12:01 . ترامب يعلن انضمام كازاخستان إلى اتفاقات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 12:01 . الجمهوريون يحبطون مشروع قرار يقيّد صلاحيات ترامب لضرب فنزويلا... المزيد

في دهاليز محكمة أمن الدولة.. القصة الكاملة لثاني أكبر محاكمة سياسية في الإمارات

أرشيفية
رصد خاص – الإمارات 71
تاريخ الخبر: 08-11-2025

في مشهد غير مسبوق في تاريخ القضاء الإماراتي، أصدر مركز مناصرة معتقلي الإمارات تقريرًا بحثيًا شاملاً يوثّق ما وصفه بـ “أوسع محاكمة سياسية منذ تأسيس الدولة”، والمعروفة إعلاميًا باسم قضية الإمارات 84 أو قضية لجنة العدالة والكرامة، والتي تضم 84 متهمًا بينهم نخبة من الأكاديميين والحقوقيين الإماراتيين.

ويؤكد التقرير أن القضية “تجسّد تحوّل قوانين مكافحة الإرهاب في الإمارات من أدوات قانونية لمحاربة العنف إلى أدوات سياسية لتكميم الأفواه وإسكات المعارضة السلمية”، مشيرًا إلى أن “القضية ليست مجرد محاكمة، بل حملة منظمة لإعادة معاقبة النشطاء أنفسهم بعد أكثر من عقد على انتهاء محكومياتهم”.

قضية جديدة بأدلة قديمة

يعود التقرير إلى الجذور التاريخية للقضية، موضحًا أنها امتداد مباشر لقضية “الإمارات 94” الشهيرة عام 2013، حين اعتُقل العشرات بعد توقيعهم على عريضة سلمية طالبت بإصلاحات دستورية وتوسيع صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي.

ورغم انتهاء محكوميات العديد منهم، ظلت السلطات تحتجزهم في ما يُعرف بـ “مراكز المناصحة”، قبل أن تُعيد فتح الملف في ديسمبر 2023 تحت تهم جديدة تتعلق بـ “تأسيس وتمويل تنظيم إرهابي”.

ويقول التقرير إن النيابة العامة أعادت استخدام الأدلة والملفات نفسها التي استخدمتها في محاكمة 2013، دون أي وقائع جديدة، في مخالفة صريحة لمبدأ “عدم جواز محاكمة الشخص مرتين على الجرم ذاته” المنصوص عليه في القانون الدولي.

محاكمة جماعية في ظل سرية كاملة

انطلقت جلسات المحاكمة في 7 ديسمبر 2023 أمام محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية – دائرة أمن الدولة، واستمرت حتى 10 يوليو 2024، حين صدرت الأحكام الابتدائية.

وبعد مرحلة الطعون، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في 26 يونيو 2025 حكمها النهائي، لتغلق بذلك ملفًا وصفه المركز بأنه “منعطف مظلم في تاريخ العدالة الإماراتية”.

خلصت الأحكام إلى 67 حكمًا بالسجن المؤبد (25 سنة)، و10 أحكام تتراوح بين 10 و15 عامًا، وحكم وحيد بالبراءة، بينما تمت مصادرة أموال ست مؤسسات مدنية متهمة بالتعاون مع “تنظيم إرهابي”.

والأخطر، أن المحكمة العليا ألغت قرار انقضاء الدعوى بحق 24 متهمًا وأعادت إدانتهم بالمؤبد، ما رفع عدد أحكام السجن المؤبد إلى 67 حكمًا نهائيًا.

انتهاكات بالجملة داخل قاعة المحكمة وخارجها

ووثّق التقرير أكثر من 35 نوعًا من الانتهاكات الإجرائية والحقوقية خلال سير القضية، بدءًا من الاحتجاز الانفرادي المطوّل الذي تجاوز تسعة أشهر، مرورًا بحرمان المعتقلين من مقابلة محاميهم وعائلاتهم، ووصولًا إلى انتزاع الاعترافات تحت التعذيب والإكراه.

كما كشف التقرير عن تدخل القضاة في توجيه الشهود وقطع الصوت عن العائلات أثناء بث الجلسات، ورفض المحكمة التحقيق في شكاوى التعذيب.

وقال أحد المتهمين، الدكتور محمد الركن، خلال الجلسة الأولى: "نُحاكم اليوم على أفكارنا لا على أفعالنا… ما يجري ليس محاكمة، بل إعادة معاقبة”.

وفي إحدى الجلسات، حين بدأ أحد المحامين الحديث عن تعرّض موكله للتعذيب، قاطعه القاضي فورًا وأمر بقطع الصوت عن البث الداخلي للعائلات، في مشهد وصفه التقرير بأنه “قمع داخل قاعة المحكمة نفسها”.

من الأمن إلى الإرهاب: توسّع خطير في تعريف الجريمة

يوضح التقرير أن سلطات أبوظبي اعتمدت في هذه القضية على القانون الاتحادي رقم (7) لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية، وهو قانون يمنح صلاحيات شبه مطلقة في توصيف أي نشاط فكري أو مدني على أنه “عمل إرهابي”.

ويشير المركز إلى أن القانون صيغ بعبارات فضفاضة تسمح بتجريم أي نشاط سياسي أو فكري تحت ذريعة “تهديد وحدة الدولة أو زعزعة النظام العام”، مما أفرغ مفهوم الإرهاب من معناه الحقيقي.

ويضيف التقرير أن هذا التوسع “مكّن السلطات من تجاوز مبدأ التقادم القضائي، وتبرير استمرار احتجاز المعتقلين بعد انتهاء محكومياتهم”، ما حوّل قانون الإرهاب إلى أداة دائمة لتبرير القمع.

التسلسل الزمني للمحاكمة: تسع جلسات في الظل

استعرض التقرير بتفصيل دقيق تسلسل الجلسات التسع، بدءًا من جلسة التلاوة الأولى وحتى جلسة النطق بالأحكام. جميع الجلسات جرت في ظروف أمنية مغلقة، ومنعت المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام من الحضور.

خلال الجلسة الثانية، قُطع الصوت عن العائلات التي تابعت المحاكمة عبر بث داخلي، بينما شهدت الجلسة الثالثة استجواب شهود من جهاز أمن الدولة دون الكشف عن هوياتهم، في مخالفة لمبدأ علنية الشهادة.

وفي الجلسات اللاحقة، رفضت المحكمة جميع طلبات الدفاع لاستدعاء شهود النفي أو تأجيل الجلسات للاطلاع على الأدلة. حتى القوائم المالية التي استخدمتها النيابة كأدلة على “تمويل الإرهاب” تعود إلى تحويلات مصرفية من عامي 2010 و2012 لجمعيات كانت مرخصة رسميًا في ذلك الوقت، ما يجعلها قانونية وقت حدوثها.

عزل نفسي وتعذيب أبيض

يقدّم التقرير وصفًا مفصّلًا لأوضاع المعتقلين في مراكز احتجاز تابعة لجهاز أمن الدولة، خاصة في سجن الرزين الصحراوي، الذي يخضع لإدارة أمنية مباشرة ويُعد من أكثر السجون سرية في المنطقة.

ويوثّق التقرير حرمان المعتقلين من النوم بسبب الإضاءة المستمرة داخل الزنازين على مدار الساعة، والحرمان من العلاج والرعاية الصحية، والمنع الكامل من الكتب والمصاحف، إلى جانب تفتيش مهين يجبر السجناء على خلع ملابسهم بالكامل. كما حُرم المعتقلون من أي تواصل مع أسرهم لأكثر من عشرة أشهر متواصلة.

العقاب يمتد إلى العائلات

لم يتوقف الاستهداف عند المعتقلين أنفسهم، بل امتد إلى أسرهم. وثّق المركز حالات سحب جنسية ومنع من تجديد بطاقات الهوية وجوازات السفر وفرض حظر سفر على أقارب المعتقلين، في سياسة وصفها التقرير بأنها “عقاب جماعي” يخالف اتفاقية جنيف الرابعة.

وقالت زوجة أحد المعتقلين للمركز: "تم إسقاط جنسيتنا وجمّدوا حسابنا البنكي رغم أننا لم نتهم بشيء. نعاقَب فقط لأننا عائلته.”

أحكام سياسية بلباس قانوني

يرى مركز مناصرة معتقلي الإمارات أن الأحكام الصادرة في يوليو 2024، والمثبتة نهائيًا في يونيو 2025، تُعد أحكامًا جماعية صادرة عن محاكمة تفتقر إلى أدنى معايير العدالة، مشيرًا إلى أن القضاء “لم يميّز بين الأدوار الفردية، ولم يستند إلى أي أدلة مادية، بل اعتمد على نشاطات فكرية ومدنية سلمية”.

وفي بيان صادر عن المنظمة الحقوقية الدولية هيومن رايتس ووتش بتاريخ 30 يونيو 2025، وُصفت الأحكام بأنها: "ازدراء كامل لمعايير العدالة، وتجسيد لإعادة هندسة القضاء لخدمة القمع السياسي”.

العدالة في خطر

يؤكد التقرير في ختامه أن قضية الإمارات 84 ليست مجرد انتهاك حقوقي عابر، بل نقطة تحوّل خطيرة في مسار العدالة الإماراتية، إذ تكشف عن “نظام قانوني يُستخدم لمعاقبة الفكر، لا لحماية المجتمع”.

ويطالب مركز مناصرة معتقلي الإمارات المجتمع الدولي بـ: التحرك العاجل للإفراج الفوري عن جميع المعتقلين؛ ومراجعة قانون مكافحة الإرهاب رقم 7 لسنة 2014 بما يضمن عدم استخدامه ضد النشاط السلمي؛ وإخضاع جهاز أمن الدولة لرقابة قضائية مستقلة تضمن احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان.

واختتم التقرير الختامي لمركز مناصرة معتقلي الإمارات بالقول إن "ما جرى في هذه المحاكمة لا يُهدد المعتقلين فقط، بل يهدد فكرة العدالة نفسها في الإمارات.”