صورة عبدالفتاح السيسي مع 19 قياديا بالأحزاب المصرية كانت أهم "خبر" نشرته الصحف الصباحية أمس (الثلاثاء 13|1)، وقد اعتبرتها خبرا لأنها عرفتنا بما لم نعرف، وأرتنا وجوها لم نألفها، وإن سمعنا بأسماء بعضهم في مناسبات متفرقة، اجتماعية وتليفزيونية في الأغلب.
صحيح أن الصورة المنشورة لم تضع اسم كل شخص تحت صورته وتركت اكتمال التعريف لتخمين القراء وشطارتهم، إلا أنني أعترف أنني أحد الذين رسبوا في ذلك الاختبار.
وأزعم أنني لست وحيدا في ذلك، لأن بعض من أعرفهم شاركوني ذلك الرأي، وأمثالنا معذورون لأن حضور الأحزاب المصرية على الورق وفي الفضاء الإلكتروني والإعلامي أحيانا لا يكاد يقارن بحضورهم على أرض الواقع.
آية ذلك أن عدد الأحزاب التي تشكلت في مصر بعد الثورة يزيد على مئة، منها 80 حزبا لها شرعيتها القانونية. والباقية تحت التأسيس.
وحين يسمع المرء هذه الأرقام لأول مرة، فقد يخيل إليه ان الساحة السياسية في مصر تحفل بالضجيج جراء تزاحم الأحزاب وتنافسها على كسب المؤيدين.
غير أن الأمر على العكس من ذلك تماما، يدل على ذلك أننا نشكو من الفراغ السياسي رغم وفرة الأحزاب.
الأمر الذي يستدعي إلى الأذهان بيت الشعر الذي يقول فيه صاحبه:
أفتح عيني على كثير، لكنني لا أرى شيئا.
ليس لدي تحفظ على كثرة الأحزاب في مصر، لأن هذه الوفرة أمر طبيعي في المجتمعات الديمقراطية كما في مراحل التحول والانتقال،
(بعد الحرب العالمية الثانية وصل عدد الأحزاب في اليابان إلى أكثر من 60 حزبا تآكل بعضها بمضي الوقت حتى أصبح العدد الآن ستة أحزاب فقط، أقواها حزبان يتناوبان على الحكم).
لكن المشكلة تكمن في طبيعة البيئة السياسية التي تنشأ بها تلك الأحزاب
وهل يراد لها أن تكون شريكا في السلطة ورقيبا عليها أم بوقا تابعا لها.
وهل يراد لها أن تكتسب شرعيتها من ثقة الشعب أم من ثقة الرئيس والسلطة.
لأن الأحزاب المصرية القائمة ليس لها حضور يذكر على أرض الواقع، فإنني أخشى أن يدفعها الاستعجال لأن تبني استراتيجيتها على اكتساب الثقة من جانب السلطة.
وهذه الخشية تستند إلى قرائن عدة، في مقدمتها التصريحات التي صدرت عن بعض القيادات التي حضرت اللقاء مشيرة إلى انها تتطلع لأن تؤدي دور الظهير السياسي للرئيس السيسي في المجلس التشريعي.
فضلا عن أن الرئيس حين اقترح عليهم أن يشكلوا قائمة واحدة يخوضوا على أساسها الانتخابات القادمة، فإنما كان يحثهم لأن يصطفوا في جبهة واحدة لأداء ذلك الدور.
وهذا الاصطفاف ــ إذا تم ــ فإنه يلغي فكرة الرقابة على السلطة التي هي أهم وظائف البرلمان (إلى جانب دوره في التشريع).
إلى جانب ذلك فهو يلغي التباينات الفكرية التي يفترض أن تعبر عنها القوى السياسية. الأمر الذي يثير السؤال التالي:
هل في هذه الحالة ستتبني القائمة الواحدة برنامجا واحدا؟
ثمة ملاحظات أخرى شكلية على الاجتماع أوجزها فيما يلي:
- ذكر المتحدث باسم الرئاسة أن اللقاء مع قيادات الأحزاب استمر 6 ساعات كاملة، وقال آخرون ممن حضروا أن الرئيس أجاب عن كل الأسئلة، إلا أن التصريح الرسمي عن الاجتماع لم يشر إلا إلى كلام الرئيس الذي أشك في أنه ظل يتحدث طوال الساعات الست.
وبعد تجاهل ما صدر عن رؤساء الأحزاب، لم يكن مشجعا ولا مفيدا أن نقرأ "أن الرئيس كسب الجميع إلى صفه، وأقنعهم بوجهة نظره في مختلف القضايا حين تكلم بكل بساطة ووضوح".
ــ كما ذكر أحدهم في تصريح نشرته جريدة الأهرام أمس.
- لفت الانتباه أن كل حزب مثله أحد قيادييه، ولكن اليسار مثله ثلاثة قياديين، اثنان من حزب التجمع أحدهما رئيس مجلس الأمناء والثاني رئيس الحزب.
أما الثالث فهو نائب رئيس حزب التحالف الاشتراكي الذي كان عضوا سابقا في التجمع، علما بأن الحزب الذي يخوض الانتخابات البرلمانية منذ 35 عاما لم يتجاوز ممثلوه عدد أصابع اليد الواحدة إلا في عام 2011 الذي مثله في البرلمان سبعة أشخاص.
(زميلنا الأستاذ جمال فهمي كتب في عموده يوم أمس بجريدة "التحرير" مقالة تساءل فيها: أين اليسار؟).
- الملاحظة الثالثة أن حزب النور كان الوحيد الذي حضر عن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في اللقاء.
وإذا لم يتم تدارك هذا الموقف بصورة أو أخرى فإن الحزب السلفي سيظل وحده موضع ثقة السلطة وقبولها، الأمر الذي قد يؤثر بالسلب على رصيد تأييده بين المتدينين.
وهو ما سوف يضيف بعض النقاط إلى رصيد حزبي مصر القوية الذي يقوده الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وحزب البناء والتنمية الذي أسسته الجماعة الإسلامية.
يفترض أن ثمة اجتماعا ثانيا للرئيس عقد أمس مع مجموعة أخرى من الأحزاب، لم يتح لي أن أتابع ما أسفر عنه بسبب موعد طباعة هذا التعليق، لكنني أتمنى أن يكون باعثا على التفاؤل بما يجعله أفضل من سابقه، فنخرج منه بخبر مفيد غير ظهور رؤساء الأحزاب مع الرئيس في الصور.