في مقدمته يذكر عالم الاجتماع العربي ابن خلدون بأن الحضارات والدول تبدأ صغيرة ثم تنمو وتنطلق وتكبر وتقوى ثم تشيخ وتضعف وتنتهي. هذه هي نظرية تداول الدول والحضارات. ولا شك بأن نظرية ابن خلدون هذه قد اشتهرت وانتشرت منذ القرون الوسطى وحتى الآن لسبب واحد وهو أنها مطابقة لما يحدث على ارض الواقع وصحيحة تماما.
وما دفعنا للاستشهاد بنظرية ابن خلدون هو حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في تعقيبه على أداء، بل نجاح حكومة دولة الإمارات في أدائها عندما قال بأننا نتعامل مع المؤسسات الحكومية على أنها مؤسسات خاصة تنافس القطاع الخاص وتعمل بنفس عقليته.
ففي مقالته «هل تشيخ الحكومات» والتي نشرتها (هارفرد بنزنيس رفيو) يقول: «شركات القطاع الخاص تمر بدورات في أعمالها فهي تبدأ صغيرة ثم تنمو وتنطلق وتكبر ثم يأتي من ينافسها ويطلق منتجات أفضل من منتجاتها فيتراجع نموها ويتضاءل حجمها وتقل أهميتها ويضعف تأثيرها وقد تخرج من دائرة المنافسة.
وهذا ما تثبته الكثير من الدراسات. فاكبر 500 شركة في عام 1955 لم يبق منها اليوم الا 11% فقط». السؤال هو هل يمكن تطبيق نفس العقلية على الحكومات؟
ابن خلدون لم يأت بنظريته من فراغ بل من دراسة لأحوال الامم والحضارات وحركة البشر ودورة العمران. فقد وجد ابن خلدون كما وجد غيره من مؤرخين وعلماء اجتماع بأن هناك اسبابا لنهضة الامم والشعوب واستمرارية قوتها.
فكافة الحضارات والدول تبدأ من الصفر في بناء ذاتها معتمدة إما على مواردها الذاتية وإما على حركة التوسع خارج حدودها، أي على قوتها العسكرية وفي فترة شبابها وفتوتها. ولا يخفى على أحد دور الاقتصاد في حركة البناء والعمران والتشييد. ثم تمضي الدول في دورة حياتية تشبه حياة الانسان قبل أن تبدأ في فترة الضعف والكهولة .
والتي تفقد الدولة أو الحضارة فيه معظم عناصر قوتها ويبدأ بريقها بالانحسار وتأثيرها بالاندثار مهما بلغ حجم الدولة ووصلت قوتها فهي تصبح خارج دائرة التاريخ. في مقالته يحلل الشيخ محمد بن راشد عوامل بقاء الشعوب والحضارات.
كما الشركات حية وقوية وقادرة على المنافسة بينما يشيخ غيرها ويختفي فيقول السر يكمن في الابتكار. الابتكار ليس ترفا للشعوب أو الحضارات أو للشركات بل هو من اسس البقاء والمنافسة مع الآخر. الابتكار والاختراع والجودة والتميز كلمات مرادفة لبعضها البعض وهي أساس بقاء الانسان على وجه البسيطة .
وهي التي تدفعه نحو تحسين طرائق حياته وايجاد سبل جديدة لتطوير مستوى الحياة التي يعيشها له ولباقي اعضاء الجنس البشري.
الابتكار موجود منذ أن وعي الانسان أهمية الحفاظ على حياته ومواكبة المتغيرات من حوله. فمن تطوير وسائل العيش الى تحسين سبل الحياة الاقتصادية الى الابتكار في وسائل التعلم والصحة كلها وسائل تهدف في النهاية الى تحسين جودة الحياة. هذه الوسائل والسبل تنطبق على الدول والشعوب والشركات والحكومات.
فعندما تفشل في تطوير أدائها والارتقاء بأدائها فهي بلا شك تشيخ وتنتهي ولا يبقى لها أثر يذكر. إذا فكما يشيخ الانسان وينتهي يمكن أن تشيخ الدول وتترهل قبل أن تنتهي.
في القمة الحكومية 2015 كان التركيز بشكل كبير على الابتكار والتجديد ليس لأنه قضية جديدة على الإمارات بل لأنه من متطلبات البقاء للمستقبل المنظور.
ففي الإمارات حيث يسابق الحاضر المستقبل وحيث لا يكون التاريخ الا شاهدا حيويا على التغير الايجابي لا مجال الا للابتكار والتجديد الضروريين لبناء مجتمع متطور شاب قادر على المنافسة مع غيره. وفي الإمارات الدولة التي تعتبر دولة شابة بين الدول تعد نفسها بقوة للمستقبل. وليس هناك افضل من رصيد تعتمد عليه وتستثمر فيه كالمورد البشري والذي تبدي الإمارات به اهتماما خاصا.
فالاستثمار في التعليم وخلق جيل قوي علميا قادر على المنافسة والابتكار هو أهم رصيد للدولة. فكما يقول الشيخ محمد بن راشد «الابتكار هو أن نكون أو لا نكون». فإما أن نكون مبتكرين ومبدعين في وسائل جودة الحياة فنبقى قوة فتية شابة قائمة على سواعد أبنائنا أو لا نكون فنشيخ وننتهي. هذه هي حركة الحياة ودورة الحضارات والعمران.