يحتفل الإيرانيون هذه الأيام بعيد النيروز إيذاناً بحلول رأس السنة الشمسية التي توافق فلكياً الانقلاب السنوي الربيعي 21 مارس حيث تُشعل النار في طقوس احتفالية يتوارثها الإيرانيون منذ عهد ما قبل الإسلام، حيث يعتبر الإرث الفارسي «المجوسي» السابق للإسلام مصدراً للفخر والعزة الثقافية إبان حكم الشاه وحتى بعد الثورة الإسلامية، فالاحتفالات القومية وحتى المجوسية منها استمرت حتى مع مجيء حكومة ألصقت كلمة إسلامية في اسمها الرسمي.
وقبل أن تتصاعد نيران النيروز من إيران كانت قد تصاعدت نيران غطرسة فارسية حيث صرح علي يونسي نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني ومستشاره للشؤون الدينية إن إيران قد أصبحت الآن إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد «وأن العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم كما كان في الماضي» في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وفيما كانت الحكومة الإيرانية تحاول لملمة تداعيات التصريحات خاصة بعد الاحتجاج الرسمي للحكومة العراقية حيث ردت وزارة الخارجية العراقية «إن العراق دولة ذات سيادة يحكمها أبناؤها وتقيم علاقات إيجابية مع دول الجوار كلها ومن ضمنها إيران، وإن العراق لن يسمح بالتدخل في شؤونه الداخلية أو المساس بسيادته الوطنية». وقبل أن تهدأ موجة الاحتجاجات التي أثارتها تلك التصريحات خرج رئيس تحرير وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء، حسن هاني زاده بمقال افتتاحي جاء فيه أن «على الشعب العراقي أن يتجه نحو الوحدة مع أصدقائه الحقيقيين، وينسلخ من ثوب العروبة المزيفة لأن كل ويلات العراق سببها وجود العربان..»!منذ الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 وتنصيب حكومة المالكي في 2006 أصبح التدخل الإيراني في العراق فاضحاً وأصبح الحد الفاصل بين السياسة والعقيدة رمادياً فطغت مشاهد التطهير الديمغرافي المذهبي على جسد العراق، وتغيرت الهوية العراقية العربية تدريجياً، ومارس الإيرانيون عملية إحلال بشري فارسي في العراق تحت مرأى ومسمع حكومة الاحتلال الأميركي والحكومة العراقية. وبعد سنوات من الدعم للميليشيات الشيعية العراقية كـ«فيلق بدر» و«عصائب أهل الحق» أو «حزب الله العراقي» ومن التلاعب بمسرح الدمى السياسية العراقية ها هي طهران تعلن مشاركة قواتها في معركة تحرير تكريت وقائد «فيلق القدس» يقود العمليات العسكرية ويتصدر وسائل الإعلام الإيرانية، وكان حاضراً في المعارك في آمرلي وديالى وجرف الصخر، ولم تعد الحكومة العراقية تتحرج أو تخفي الدور العسكري الإيراني في العراق، وتخرج الأبواق الإعلامية الإيرانية بخطاب مليء بحس التفوق العرقي وتبرز الأجندة السياسية المليئة بالكراهية المذهبية والتطرف العسكري ضد جوارها الجغرافي لينتج خريطة تمدد جغرافية تستدعي من التاريخ الإمبراطورية الساسانية، وتستغل التشيع الفارسي لفرض الطموح الإمبراطوري الإيراني على الخريطة السياسية المعاصرة.
وعلى رغم ما قيل، وما يقال، فالعرب هم أصحاب البيان، والقرآن الكريم معجزة البيان نزل باللغة العربية، ومن العرب كان أئمة الفرس المتشيعة (الأئمة الاثني عشر الهاشميون) وتلك حقيقة لن يستطيع الفرس أن يحرفوها. فالواجب اليوم على عرب العراق سُنة وشيعة المحافظة على الهوية العربية للعراق حتى لا تضيع الأمانة في حق الأجيال القادمة، وأن يعي العراقيون أن مقتضيات المواطنة لا تتناقض مع متطلبات المعتقد، وما زال بالإمكان تجسير الهوة بين العراقيين الشيعة والسنة من أجل العراق ومن أجل مستقبل عروبة العراق.