قبل ثلاثة أيام زار وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الحد الجنوبي، وجال في نقاطه القصوى والحرجة بعد يوم واحد من اجتماع «العوجا». اللافت في الخبر أنه، للمرة الأولى، تورد وكالة الأنباء السعودية عرضاً مفصلاً لنوعية الأسلحة في تلك المنطقة مع تبيان قدراتها ومهماتها الدفاعية والهجومية، وقدرتها على استشعار أي تحرك مشبوه في مجال سيطرتها.
الإثنين كان المؤتمر الصحافي للأمير سعود الفيصل مع وزير الخارجية البريطاني صارماً في لغته، واضحاً في عباراته، صلباً في موقفه من الانقلاب في اليمن وتدخلات إيران، معلناً أن كل الخيارات مفتوحة لمساندة اليمن ونصرة السلطة الشرعية.
في الوقت ذاته، أعلن المندوب الأممي ذو المواقف المحيرة اعتماد الدوحة مكاناً للحوار، والرياض للتوقيع على أي اتفاق.
كلها خطوات متسارعة تستجيب للنشاط الحوثي الصالحي على الأرض، إلا أن خدعة الحوار لا يجب الركون إليها ما لم تتوقف جميع العمليات العسكرية حتى الاتفاق النهائي، أما إن استمرت فإن الحوار سيتبدل يومياً، لأن الهدف إسقاط سلطة هادي وفرض الأمر الواقع بما يشبه اتفاق السلم والشراكة. لا يمكن الانخداع بالنوايا والتصريحات المتباينة، فالمعركة مكشوفة بعد التدخل الإيراني الفاضح والمتبجح، ما يجعل الخيارات محدودة، والحركة الميدانية ضرورة قصوى بأي شكل كان، فإذا كانت صنعاء مهبطاً أليفاً للطائرات الإيرانية فلا يجب أن تصبح عدن كذلك، وهي مسؤولية اليمنيين أولاً قبل غيرهم، شرط أن ينالوا الدعم الكامل والعمل على استقطاب وحشد كل القوى اليمنية النابذة للموجة الحوثية وتزويدها بالإمكانات اللازمة.
الحركة في اليمن تقاس بالأيام، ومداها الزمني قد يكتمل قبل أن يجتمع مجلس الأمن مرة أخرى، ما يفرض خطوات تحصن عدن من أي هجوم مفاجئ يتناغم مع طلب الحكومة اليمنية الشرعية فرض حظر جوي ودخول قوات «درع الجزيرة». في المجمل لن يتدخل الخليج عسكرياً، لكن بما أن الحوثي ودائرته لا يفهمان سوى لغة الرصاص، فلا بد أن تكون للحكومة الشرعية حنجرة قوية سريعة الرد وعالية النبرة.
مهما توتر الوضع في اليمن فإن السعودية قادرة على تحصين ذاتها ودفع أي ضرر، وهي أعلنت موقفها السياسي الصارم وقدرتها العسكرية، إلا أن الدور العاجل هو النصرة الفعلية لليمن العربية عبر كل الإجراءات الشرعية التي تضمن أمنها واستقرارها، وتساند اليمن على الإفلات من المصيدة التي يمثل الحوثي مجرد رأس حربتها، وهي إجراءات لا يمكن تأخرها، فالحوثي وصالح يتسابقان نحو عدن وإن كانا يتبادلان الشتائم علناً.
لن يستطيع الحوثي احتواء اليمن، إلا أن مجرد الاكتفاء بمراقبته قد يكشف عن إمكانات غير ظاهرة، حينها سيكون أي قرار متأخراً.
وفقاً للمعطيات فإن الخليج ليس مجرد مراقب، وهو يمتلك أدوات كثيرة، ليس من بينها التدخل العسكري أو الدخول في حرب مفتوحة النهايات، تجعل حركة الحوثي مجرد دوران تائه في فخ عريض، فهل استثمرت هذه الإمكانات وجرى تنشيطها حتى يدرك الآخرون أن اليمن ليس لقمة سائغة وإن استولى الحوثي على مطار تعز بقوة قوامها 300 رجل مكررين مشهد سقوط الموصل في يد «داعش» بتشابه يصل حد التطابق؟
المؤكد أن هذا الوضع بلغ نهاياته، والخليج لن يقف ثابتاً ولن يكتفي بالبيانات، وربما كان الأسبوع المقبل صورة مختلفة لا يكون الرصاص الحوثي هو الحاضر والأكثر علواً.
الكلام هو المرحلة الأخيرة قبل الفعل، وقد بلغ سقفه الأقصى وسيأتي ما بعده، فليس الصبر علامة حيرة وضعف. لا أحد يرغب في الحرب، لكنها قد تكون الطريق الوحيد، فالسعودية لن تترك اليمن للضياع أبداً، وبدل أن تكون عدن هدف الهجوم يجب أن تكون قاعدة الانطلاق لاستعادة ما تشرذم من اليمن.