لا أذكر أنني شاهدت برنامجاً عربياً يتعقب خبايا السحر، رغم كثرة زبائن المشعوذين، حتى بين الفئات المتعلمة، ورغم وجود جمهور عريض يعتقد بتأثير السحر على مجريات الأمور، ورغم أن كثيراً من الناس يقضون أيام حياتهم في التفكير في السحر الذي أفسد علاقاتهم بالآخرين، وأحاط بيوتهم بقوة من العالم السفلي تمنع دخول السعادة إليها. هذا عدا الذين لا يكفّون، رغم حياة الراحة والطمأنينة، عن التفكير في طريقة لتحصين أنفسهم من السحر الذي قد يسلط عليهم في يوم من الأيام.
وفي مقابل استحواذ السحر على تفكير الكثيرين، يظهر بين الحين والآخر أحد مشايخ الدين على التلفزيون ناصحاً ومحذراً، لكنه غالباً ما يعظّم بحديثه من خطر السحر، ويصدّ الناس عن السير في درب العقلانية. وهناك برامج يتحدث فيها الضيوف بتأثر عن تجاربهم مع السحر، وقد يجلس شخص خلف الستار باعتباره ساحراً تائباً، يحكي هو الآخر أشياء من هنا وهناك، ومقدم البرنامج يحاول أن يضفي بعض الإثارة بطرح أسئلة يعتقد أنها مزلزلة، وكل هذا لا يسمن ولا يغني من جوع في معرفة حقيقة السحر الذي أخذ الألباب وهيمن على التفكير.كما أن ملفاً مهماً، كحماية البيئة، يقع خارج دائرة الاهتمام التلفزيوني، وقد توجد برامج يظهر فيها خبراء يتحدثون عن التربة، أو عن الصيد الجائر، لكن لا أعتقد أن لدينا برامج استكشافية حقيقية تتناول مأساة الجمال التي تنفق بسبب أكياس النايلون مثلاً، فتدخل الكاميرا في المختبر، وتسبر بطن الجمل، ثم تظهر إحصائية دقيقة، ثم يتحدث خبير، ثم تأخذنا الكاميرا إلى مصنع أكياس، وهكذا عمل استكشافي واستقصائي في جو من المتعة والتشويق.
وأين مثلا البرامج الاستكشافية عن الفضاء الذي نحن في الإمارات على موعد قريب مع دخوله؟ ولِم لَم ننتج برنامجاً علمياً واحداً يدحض وإلى الأبد قصص ثبات الأرض التي تعد من المسلمات لدى الكثيرين؟ وأين مثلا البرامج عن الكوارث الطبيعية التي من الممكن أن تقع؟ وأين البرامج عن الجرائم التي تحدث في مجتمعاتنا؟ وأين البرامج بشأن حالات الطوارئ والوقاية من الأخطار التي قد تحدث في أي وقت وفي أي مكان؟ وأين البرامج التي تتحدث عن الأخطار الصحية المحدقة بالكثيرين؟ وأين البرامج عن أسباب أمراض السرطان الشائعة؟ وأين البرامج عن بعض الأنماط الحياتية الخاطئة؟
إذا كنا قد نجحنا في استنساخ برامج غربية كثيرة، وظهرت برامجنا بجودة النسخ الغربية منها، كبرامج الطبخ في الهواء الطلق، وبرامج الترفيه والتحدي والقفز فوق الأقماع العملاقة، وبرامج الغناء والمواهب والصراخ على المسرح، وبرامج التعرف على الثقافات والشعوب والفتيات اللائي يتمشين في الأسواق ويأكلن من الأكشاك.. فلم لا نستنسخ من الغرب برامجه المعرفية، ذات الإيقاع السريع، والقائمة على المنهج العلمي، والاختبارات، وطرح الأسئلة، وتبسيط المعلومة وإيصالها في قالب من التشويق والمرح الذكي، بعيداً عن قصص الوعظ والإرشاد، والجلوس في استديو والكلام ثم الكلام ثم الكلام؟! لماذا نملك السلاح ولا نستخدمه في المعركة مع الجهل؟ لماذا كل أسلحتنا موجهة للقضاء على الملل فقط؟!