أحدث الأخبار
  • 05:28 . "نيويورك تايمز": منصور بن زايد يقود أدواراً سرية ومؤثرة في حروب المنطقة بعيداً عن أضواء الرياضة... المزيد
  • 11:01 . "التربية" تفتح باب مراجعة الدرجات لطلبة الثاني عشر وتعلن مواعيد نتائج باقي الصفوف... المزيد
  • 10:45 . الرياض وواشنطن تبحثان تعزيز الشراكة الدفاعية وسط توترات إقليمية... المزيد
  • 10:17 . "أكسيوس": واشنطن تبحث اتفاقاً أمنياً محتملاً بين سوريا و"إسرائيل"... المزيد
  • 10:16 . الصحة العالمية: الموت جوعا في غزة يجب أن يتوقف... المزيد
  • 10:10 . مجموعة السبع تدعو إلى استئناف المحادثات بشأن برنامج طهران النووي... المزيد
  • 10:07 . الأغذية العالمي: الجوع يهدد أربعة ملايين لاجئ سوداني في دول الجوار... المزيد
  • 09:52 . خفايا توسّع أبوظبي في أفريقيا.. كيف تحول النفوذ الاقتصادي لأطماع جيوسياسية؟!... المزيد
  • 01:42 . ترامب يقرر إنهاء العقوبات على سوريا... المزيد
  • 08:56 . كم ارتفع عدد سكان أبوظبي خلال العام الماضي؟... المزيد
  • 07:25 . هيومن رايتس ووتش: أحكام أبوظبي الأخيرة في قضية "الإمارات 84" تؤكد ازدراءها للقانون... المزيد
  • 06:39 . إيران.. ارتفاع قتلى الهجمات الإسرائيلية إلى 935... المزيد
  • 11:36 . إثر التوترات الأخيرة.. كيف تغيرت أسعار الوقود في الإمارات لشهر يوليو؟... المزيد
  • 11:22 . الرئيس الإيراني يؤكد الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع الخليجيين... المزيد
  • 09:51 . واشنطن بوست: اتصالات إيرانية جرى اعتراضها تقلل من تأثير الضربات الأمريكية... المزيد
  • 12:32 . الاحتلال الإسرائيلي يدرس مستقبل حرب غزة والجيش يوصي بإبرام صفقة... المزيد

عن البطل الفرد

الكـاتب : عبد العزيز الحيص
تاريخ الخبر: 11-05-2015

الحديث عن البطل وتعظيمه ونسب الإنجازات له، لا يزال من المشاكل الثقافية المزمنة لدينا. لا يستحق الفرد، سواء كان مسؤولاً مهماً أو غير ذلك، أن يأخذ حيزاً أكبر في الشأن العام على حساب المجتمع أو غيره من الأفراد. والمجتمع الذي يعتاد إطلاق الوصوف الاستثنائية على المسؤولين من أصحاب القوة، هو مجتمع غير ذكي في «كرمه»، لأنه كرم لا توهب عليه الحسنات.. بل ربما أعقب ذنوبا.
مانديلا، محرر جنوب إفريقيا. الوصف هنا جميل وملهم، لكن من المهم ألا نأخذه على حرفيته، لأن الوصف هنا يجعلنا نبجّل الفرد، على حساب المجتمع. سينسينا هذا الوصف عشرات من المناضلين، وآلافاً من الجموع ممن ضحوا بأنفسهم ولم يذكرهم بخل التاريخ. وفي النهاية يصعب بروز فرد دون وجود امتداد مجتمعي له. للمجتمع يعود الأفراد. فبروز أي فرد، يعود إلى مجتمع خلفه، فلدى هذا المجتمع إطار وظواهر يتجلى عبرها الأفراد. لا فرق إن كان هذا الفرد شيطاناً مثل المتطرف النرويجي أندريس بريفيك الذي قتل أكثر من سبعين ضحية دفعة واحدة، أو بطلا كمانديلا.. كلاهما كان تجليا لظاهرة في مجتمعه. فبريفيك يمثل ظاهرة تيار يميني متطرف في أوروبا اتخذ من ظاهرة الأجانب والثقافة الإسلامية عدواً أكبر وحاول أن يعبر عن ذلك بأكثر من وسيلة.
قضية علاقة الفرد بالمجتمع والتأثير المتبادل بينهما قضية معقدة. مدارس العلوم الإنسانية تباينت، فبعضها ينظّر للمجتمع عبر الفرد كمشكل لهذا المجتمع، وبعضها يرى الأفراد عبر المجتمع، باعتبار أنه المنتج لهؤلاء الأفراد وطبائعهم. وفي العموم، من الواضح أن الفرد والمجتمع كل منهما أساسي ومكمل للآخر. إن الفرد هو «العضو»، الذي يؤدي «وظيفة» في المجتمع. والعضو الذي تتعطل وظيفته، كما في الفسيولوجيا، يضمر ويختفي شيئا فشيئا. إن الأفراد كائنات اجتماعية، ونحن لم نشاهدهم إلا عبر محيط المجتمع. أي أنهم نتيجة لا سبب، لشكل هذا المجتمع. وهم نتيجة، أي أنهم نتاج هذا المجتمع، سواء كانوا أبطالا أم مجرمين أم ضحايا.
التاريخ لا تقوده أقدام الفرد البطل، كما قالت بذلك قناعات «العقاد»، أو «توماس كارليل» في كتابه «الأبطال»، ولا ما قاله المؤرخون من قبلهم. البطل هو تجلٍّ لظاهرة بارزة، اختاره التاريخ رمزا، لأن كتابة التاريخ تجنح إلى حب الدراما والأحداث اللافتة. وحتى اليوم، يبقى التطور والتبدل التاريخي لمفهوم البطل ضعيفاً. كتبة التاريخ كانوا في الأصل، يركزون على مسألة البطل الفرد ويؤرخون للمجتمعات عبره. ووعاظ الدين والحكايات الشعبية جذروا مفهوم البطل المخلص. هذا المخلص غالبا ما تصبح نبرة طلبه والبحث عنه مرتفعة لدى المجتمعات الخاملة والعاطلة. وحين تطور الغرب خفتت فيه هذه الصورة الحداثية والتاريخية للبطل الفرد، الذي ينقذ الناس أو المجتمع، ويتخذ لبوس كاتب أو سياسي أو محارب. كلما تطور وتقدم مجتمع كلما خفتت فيه هذه النبرة من التأليه والدعم والرعاية. والمشكلة اليوم أن المثقفين يعجزون عن تعزيز الجانب الاجتماعي للقضايا، بل ويقدمون أنفسهم كأبطال ومنقذين آخرين. رأى علي حرب في كتابه «أوهام النخبة» أنه ليس لأحد ولا لفئة أن يحتكر «حق الدفاع» عن الحقيقة والقيم العامة، وتقديم نفسه كالحامي والبطل والضامن عبرها. فهذه قيم لا تخص المثقفين وحدهم، وإنما تعني كل الناس، وكل فرد من الممكن أن يكون «الفاعل الاجتماعي» فيها. إن المجتمعات ومظاهرها تستحق الوصف بالبطولة والإنجاز، أما تجيير البطولة لأفراد فقط، فيمثل عملية إبعاد للمجتمع وقتل للقدرات فيه. اليوم، في وسط أحداث عربية ساخنة ومتلاحقة، نجد كيف أن الناس مشغولة بمتابعة الأفراد، والحديث عنهم كمشكلين أساسيين للظروف التي نعيشها. مثال عبدالملك الحوثي، وحسن نصرالله، أو البغدادي، أو قاسم سليماني، أصبحوا يتصدرون وسائل الإعلام، وفي حضورهم مزاحمة بالغة للأحداث الواقعية. وهذه نقطة يجدر لفت الانتباه لها، فبما أننا نحيا في مجتمعات تتشكل معرفيا اليوم، علينا أن نجيد قراءة الأحداث والأخبار كما هي في الواقع، لا تبعا للانتقاء الذي يحدث.
إن المجتمع الذي يجنح إلى تبجيل أفراد فوق ما يستحقون، هو مجتمع يخاف من المجتمع، أي ذلك المجتمع الذي لا يألف العمل الجماعي والمدني (أو حرم منه)، ولا يستطيع إدارة شؤونه عبر مستوى من التنظيم الذاتي، لأنه في النهاية معتمد كليا على السلطة وتدخلاتها، أو تدخلات البطل الفرد.