أحدث الأخبار
  • 10:45 . الدوحة تستضيف جولة جديدة من محادثات الهدنة بين حماس والاحتلال... المزيد
  • 08:32 . "قمة بغداد" تحث المجتمع الدولي على الضغط لوقف الحرب على غزة... المزيد
  • 06:35 . "معرفة دبي" تعلق عمليات التقييم والرقابة بالمدارس الخاصة للعام الدراسي القادم... المزيد
  • 12:26 . الاتحاد الأوروبي يبحث مواصلة تعليق عقوبات على سوريا... المزيد
  • 12:19 . الجابر لترامب: الإمارات سترفع استثمارات الطاقة بأميركا إلى 440 مليار دولار بحلول 2035... المزيد
  • 11:12 . نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات إلى القمة العربية في العراق... المزيد
  • 11:09 . سبع دول أوروبية تطالب الاحتلال بوقف حرب الإبادة في غزة وإنهاء الحصار.. وحماس تشيد... المزيد
  • 11:05 . إصابة شرطي إسرائيلي في عملية طعن بالقدس المحتلة... المزيد
  • 11:03 . حاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" تغادر الشرق الأوسط بعد الاتفاق مع الحوثيين... المزيد
  • 09:45 . الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة غارات على موانئ يمنية خاضعة لسيطرة الحوثيين... المزيد
  • 09:02 . مفاوضات إسطنبول.. اتفاق أوكراني روسي على تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار... المزيد
  • 08:54 . استشهاد 93 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة منذ فجر الجمعة... المزيد
  • 08:53 . متجاهلا الإبادة اليومية.. عبد الله بن زايد يدعو لإطلاق سراح أسرى الاحتلال وإيجاد بديل لحكم حماس... المزيد
  • 07:37 . دمشق تختار الإمارات وألمانيا لطباعة عملتها الجديدة بعد تحسن العلاقات وتخفيف العقوبات... المزيد
  • 07:28 . بعد رفع العقوبات الأمريكية.. موانئ دبي تضخ 2.9 مليار درهم في ميناء طرطوس السوري... المزيد
  • 07:17 . الإمارات والولايات المتحدة تعززان التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة... المزيد

للشهيد الجنّة.. وللغاصب السكّين!

الكـاتب : أحمد بن راشد بن سعيد
تاريخ الخبر: 21-10-2015


واهم من يظن أن الأمة تموت. مخطئ من يظن أن الشعب الفلسطيني يغضي على الضيم. جاهل من يعتقد أن ما سُمِّي بثورات الربيع العربي لفظت أنفاسها بعد أن أجهضت روحها الثورات المضادة. هنا أمة لا تنسى ثأرها، بيد أنها قد «تهدأ كي تستجنّ الحمم» بحسب الشاعر الفلسطيني العظيم يوسف الخطيب. كان الليل كالحاً، وزاده سواداً بدء دولة المافيا الروسية عدواناً إرهابياً على الشعب السوري مدفوعاً بشريعة الغاب، وعربدة صهيونية غير مسبوقة في وقاحتها ودمويتها على المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى. وفي لحظة واحدة، تبدد الوهم، وتهاوت العنكبوت. في الجزء الشرقي من القدس المحتلة (وهو التعبير الصحيح البديل عن «القدس الشرقية المحتلة») إنسان عربي يتشبث بالحياة والمقدسات والكرامة. لا قهر الاحتلال ينال من عزيمته، ولا طول القهر يفتّ في عضده. منذ احتلال هذا الجزء عام 1967، والكيان الصهيوني ينفّذ خططاً ليس لابتلاعها فحسب، بل لكسر إرادة أهلها، وإثقالهم بالتكاليف الباهظة للصمود فيها، أو «استفزازاهم من الأرض» بحسب الاستعارة القرآنية. لكن الإنسان لا تخضعه الدراسات، ولا يُدار بأجهزة التحكم. الفلسطيني ليس طارئاً على الأرض، ومشاريع «الاحتواء» لا تنسيه أنه متجذر فيها، وقد علّمته سنون النكبة أن خروجه من بيته كالخروج من جلده، ليس إلا مسخاً وسلخاً. شهدنا بأم أعيننا صمود الآلاف من المقدسيين، وإصرارهم على الانزراع في مدينتهم، حتى بعد أن هدم الصهيوني بيوتهم، أو سلبها منهم بالقوة. شهدنا كيف يسكنون في خيام بجانب بيوتهم المدمرة، فيأتي الصهيوني ليقوّضها، فيبنون خيمة بدل الخيمة، وكأنهم يتمثلون بقول توفيق زيّاد: كأننا عشرون مستحيلْ، في اللدِّ والرملة والجليلْ، يا جذرَنا الحيَّ تشبّثْ، واضربي في القاع يا أصولْ!
ظن الصهيوني أن ابتلاع القدس مَهَمَّة تكللت بالنجاح، وأنها باتت نائية عن الضفة الغربية وقطاع غزة. ظن أن سرقة هذه المدينة التي تهفو إليها قلوب مئات الملايين من المسلمين أمر غير قابل للإلغاء، وكان لديه بعض الحق، فالجزء الغربي من المدينة سقط في يده عام 1948، والجزء الشرقي سقط بسهولة في عام 1967. لكن ترويض شرقي القدس لم يكن سهلاً، واستغرق عقوداً، «أسرل» فيها اللص الأسماء، و «هوّد» الأماكن، وحاول إنتاج رواية ملفّقة للتاريخ. تقلصت القدس التي اغتصبها الصهيوني من المدينة المعروفة تاريخياً إلى «القدس الشرقية»، ثم «أورشليم القدس»، ثم «القدس المختلطة» التي تتمدد في أحيائها العربية شبكة من «المستوطنات»، وتطوقها شبكة أخرى من خارج المدينة، ليصبح اليهود، في نهاية المطاف، أغلبية، بينما يتضاءل عدد العرب بفعل الطرد أو القتل أو هدم المنازل أو الخنق بالأسلاك الشائكة والحواجز الأسمنتية. ورافقت جهود الأسرلة المحمومة خطة صدّقت عليها حكومة الاحتلال في 29 حزيران (يونيو) 2014 تنظر إلى الأحياء الشرقية في القدس بوصفها مناطق فقيرة، لا مناطق محتلة، وترصد موازنة قدرها 25 مليون دولار لتحسين ظروفها المعيشية وتطوير بنيتها التحتية. كما تعمل الخطة على إغراء الشباب المقدسي بالارتباط بالمؤسسات الإسرائيلية، وتشجعهم على الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية، الأمر الذي يأمل من خلاله مهندسو الخطة في تحقيق رفاه اقتصادي ينأى بالشباب عن التطلع إلى الحرية والتحرر. طالما حاول الاحتلال «ترويض» المواطن المقدسي الصامد بإغرائه بامتيازات شتى كالجنسية الإسرائيلية، ومشروع «الخدمة المدنية» الذي يُسوَّق بوصفه عملاً تطوعياً لخدمة المجتمع، وهو انخراط في مؤسسات تابعة لبلدية الاحتلال مقابل راتب شهري قدره 300 دولار.
كل هذه الجهود تنتهي لحظةَ ينتفض فتى من أجل المسجد الأقصى، أو يغضب من إهانته عند حاجز تفتيش. لا شيء يمنع فيضان المكبوت والمقهور. لا قبة حديدية تستطيع منع «مفك» قرر مواطن غرسه في ظهر مستوطن، ولا طائرة أباتشي تستطيع تدمير «منصّة» للسكاكين، ولا استخبارات قادرة على التنبؤ باللحظة التي ينطلق فيها سائق فلسطيني ليطأ جسد غاصب أتى من بروكلن في نيويورك ليهدم بيته ويقتلع زيتونه. لا يمكن للسياسات التي صُمّمت لإعادة تشكيل المسلوب والمقموع أن تحتال على وعيه النضالي، وتنسيه رائحة الأرض وزهر البرتقال. هنا يستل الفلسطيني سكينه ليعيد تذكير اللص بحقيقته، ويعيد كتابة الرواية من جديد. هنا يقف الضحية أمام جلاده ندّاً لند محقّقاً توازن القوى الذي لم تستطع الجيوش تحقيقه. هنا تتهاوى الصورة أمام الحقيقة، ويتفوق صاحب الأرض على سارقها بقيَمه الأخلاقية. السكين تقذف بالحق على الباطل فتدمغه، فإذا هو زاهق. السكين تعيد القضية إلى المربع الأول. كأني أستمع الآن إلى محمود درويش هاتفاً:
أيها المارّون بين الكلمات العابرة
منكمُ السيفُ ومنّا دمُنا
منكمُ الفولاذُ والنارُ ومنّا لحمُنا
منكمو دبابةٌ أخرى ومنّا حجرُ
منكمو قنبلةُ الغاز ومنّا مطرُ
عبثاً تحاول «إسرائيل» أن تحافظ على «أمنها» من خلال تدجين أهل القدس الذين لا يساومون ألبتة على مدينتهم، ولا على حريتهم. ربما لا يدرك العالم كله أن المقدسي يعتقد أنه مؤتمن من الله ليحمي المسجد الأقصى حتى لحظة التحرير. الخرافة لا تصمد أمام الإيمان وإن كانت مدججة بأنواع الأسلحة.
الصمود حتمٌ لا خيار. للشهيد الجنة، وللغاصب السكين.. والحجر.