الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ حادثة إسقاط المقاتلة الروسية بالقرب من الحدود التركية السورية بعد انتهاكها للمجال الجوي التركي، يطلق تصريحات عدوانية تستهدف تركيا ورئيسها وحكومتها، ويقدم خطوات بعيدة عن مسؤولية رئيس دولة، بل تشبه تصرفات مراهق طائش يريد الانتقام انتصارا لغروره وكبريائه.
العقوبات الاقتصادية التي أعلنتها موسكو ستسهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية الروسية الراهنة، وفقا لرأي الخبراء، وسترفع معدلات التضخم، ما يعني أن المواطن الروسي المسكين هو الذي سيدفع الثمن، كما أنها ستلحق خسائر كبيرة بالمستثمرين الأجانب، مثل الشركات الأوروبية التي لديها مصانع إنتاج للسيارات وتستورد القطع من تركيا.
وفي المؤتمر الصحافي الذي يعقد سنويا في نهاية كل عام للحديث عن أهم القضايا السياسية والاقتصادية الخاصة بروسيا على الصعيدين المحلي والإقليمي، تطرق بوتين إلى حادثة إسقاط المقاتلة الروسية وتدهور العلاقات بين أنقرة وموسكو، وقال إنه يرى أن التوصل إلى اتفاق مع تركيا في ظل وجود الإدارة الحالية أمرا صعبا، ولا يجد أملا في تحسن العلاقات، إلا أن الأغرب في حديث الرئيس الروسي كان لجوؤه إلى الأسطوانة المشروخة التي سبق أن استخدمتها جهات كثيرة، حيث اتهم الحكومة التركية بأنها تتبع سياسة أسلمة الدولة، وأضاف: «لا شك في أن أتاتورك يتقلب الآن في قبره بسبب سياسة أسلمة الدولة التركية».
الإدارة الحالية التي أشار إليها بوتين اختارها الشعب التركي بإرادته الحرة في انتخابات ديمقراطية نزيهة، وبالتالي فإن الإساءة إليها تعني الإساءة إلى الشعب التركي بأكمله وخياره الديمقراطي، ناهيك عن أن التأييد الشعبي للحكومة التركية في حادثة إسقاط المقاتلة الروسية التي انتهكت الأجواء التركية يفوق بكثير نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة. وأما حديثه عن أسلمة الدولة التركية فلا يخفى على أحد تناقضه، لأن الحكومة التركية مهما سعت لأسلمة الدولة -إن سلَّمنا أنها تسعى لها- ومهما فعلت فإنها لا تصل إلى مستوى ما قام ويقوم به ملالي إيران، حليف روسيا.
الرأي العام التركي تعود على تذمر القوى العلمانية الفاشلة واتهامها للأحزاب ذات الجذور الإسلامية بالتخلف والرجعية والخروج عن نهج أتاتورك ومبادئه، لأن الحفاظ على العلمانية المتوحشة كان على رأس أولويات «تركيا القديمة»، وما زالت بعض الصحف التركية تصدر في ذكرى وفاة أتاتورك بعناوين تشكو الحكومة التركية لأتاتورك وتقول إنها لم تلتزم بإرثه ومبادئه، إلا أن تركيا اليوم أولوياتها تختلف كثيرا عن أولويات «تركيا القديمة»، ولم تعد هذه الأساليب الرخيصة التي لجأ إليها بوتين تنطلي على الرأي العام التركي.
هناك تقارير إعلامية تشير إلى احتمال إصابة الرئيس الروسي بعوارض مرض «باركنسون» نظرا لعدم تحريكه ذراعه اليمنى بشكل طبيعي في أثناء سيره، ولا ندري مدى صحة ما ورد في تلك التقارير، إلا أن المؤكد أن الرجل منذ إسقاط المقاتلة الروسية من قبل الجيش التركي يعاني من نفسية مضطربة غير طبيعية وبحاجة إلى مراجعة طبيب الأمراض النفسية.
المحققون الروس، بتوجيه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قاموا أمام الكاميرات بعملية استعراضية وفتحوا الصندوق الأسود الخاص بالمقاتلة التي أسقطتها القوات التركية إلا أن رئيس فريق التحقيق قال إن معلومات الطلعة الجوية فُقدت بسبب تحطم بطاقة الذاكرة، ما يعني أن المحققين الروس لم يجدوا شيئا يؤكد الرواية الروسية التي تقول إن المقاتلة أُسقطت أثناء وجودها في المجال الجوي السوري.
وفي المؤتمر الصحافي نفسه، اتهم الرئيس الروسي تركيا بالتهرب من الحوار والتفاهم مع روسيا والاختباء خلف الناتو، ولكنه نسي أن يذكر أن أنقرة قبل حادثة إسقاط المقاتلة الروسية حذرت موسكو مرارا وتكرارا من مغبة مواصلة المقاتلات الروسية اختراق الأجواء التركية إلا أن الجانب الروسي تجاهل كل هذه التحذيرات، ونسي أيضا أنه هو الذي رفض الحوار والتفاهم مع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي اتصل به بعد الحادثة وأراد لقاءه. وأما الاختباء خلف الناتو فمن حق تركيا الاستعانة بالناتو كأحد أعضاء الحلف وأكثر عقلانية من استعانة بوتين بقبر أتاتورك.