أعرف حكايات كثيرة جداً عن شباب الإمارات، عن جيل جاد ومتمكن يمتلك أدوات صناعة المستقبل بشكل متفوق، جيل أتيحت له الظروف والإمكانات المختلفة ليتعلم ويتفوق وتنمو في داخله هذه الرغبة الأكيدة في بناء مجتمعه والمساهمة في إنجازاته بل والإضافة عليها، بعض هذه الحكايات حكاها لي إخوتي الشباب الذين درسوا في جامعات مختلفة وعاصروا قصصاً مختلفة، بعضها عاصرته بنفسي، وبعضها تابعته من خلال الصحف وأحاديث الأهل والأصدقاء.
إخوتي كانوا هم أنفسهم أبطالاً لحكاياتهم كما كانوا جزءاً من حكايات أخرى أكبر أو أصغر ربما، وفي نهاية الأمر فإن الحياة مسرح كبير يؤدي الجميع أدوارهم على منصته المهولة بشكل علني، بحيث يتقاطع دورك مع أدوار أشخاص آخرين، ويتقاطع الآخرون مع غيرهم لتمضي مسيرة الحياة وحركة الحضارة!
حين تنتهي من تأمل هذه الحكايات، تكتشف أن الحياة فعل صعب ومعقد، لكنه ضروري وممكن، وهو في نهاية الأمر فعل منتج، وإنتاجه عظيم وإنساني ورائع، لكنه فعل مشروط بالتعاون والتكامل، وأن لا فرد يتحرك في مدار مستقل وحده كالأقمار والمجرات؛ الإنسان كائن مستطيع بغيره، وهكذا كل الحياة، الذين لا ينتجون شيئاً هم فقط الذين لا يتحركون ولا يعملون ولا يتقاطعون مع غيرهم.
إن من يجلس ليتفرج على الآخرين موجهاً نقداً أكثر للجميع انطلاقاً من معايير غير موضوعية وغير منطقية، هذا النوع من البشر لن يتحرك للأمام خطوة واحدة. إن الغد لا يسعى لنا، نحن من يتوجب عليه أن يصنع المستقبل وأن يذهب إليه، كما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.
لماذا بدأتُ بحكايات الشباب؟ لأن جيلاً يعد بالآلاف من شبابنا ذهب يتعلم في أرقى وأهم جامعات العالم، انتشروا في جهات الأرض ودرسوا بكل اللغات، وولجوا بوابات أعظم جامعات الدنيا، عاشوا في الغرب، في بلدان الفن والمعمار العظيم والصناعات والطب والتطور، تنقلوا بين عواصم عظيمة وبلدان صنعت حضارات رائدة ومازالت، وعادوا يحملون الكثير الكثير من كل ذلك الذي عايشوه وشاهدوه وتعلموه؛ عادوا به إلى الإمارات ليقدموه لبلدهم، وليسهموا في هذه النهضة والبعث العظيم الذي تشهده الإمارات اليوم، والممتد منذ سنوات طويلة!
الذين يتساءلون عن سر الإمارات، سرها في قيادتها الحكيمة، الرشيدة، الحريصة؛ سرها في المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وفي الاتحاد، وفيما أنعم الله عليها؛ سرها في أهلها وأناسها وفي إخوتها وأشقائها الذين أسهموا في نهضتها، وفي شبابها الذين أتاحت لهم دولتهم فرص تعليم ورعايةً وحرصاً لم يتح لأي شباب في أي دولة؛ هؤلاء الذين يبنون الإمارات اليوم بهمة عالية وبتفانٍ كبير وبصمت وبلا ضجيج هم أحد أهم أسرار الإمارات.
بينما يتساءل العالم: كيف أصبحت الإمارات على ما هي عليه اليوم؟ الإمارات يا سادة استثمرت أموالها في الإنسان، في الشباب وليس في أي شيء آخر، أخذت بوصية بانيها (الرجال تبني المصانع، وليست المصانع من تبني الرجال)!