ساهم دعاة التطرف برؤيتهم الحادة التي لا يقرها عقل ولا دين ولا إسلامنا المعتدل، كما ساهم أيضاً الملحدون برؤيتهم وفلسفتهم التي تحارب الدين في إنتاج حالة من الخوف والترويع في المجتمع وحالة من التطرف والإرهاب في المنطقة العربية، تلك حالة يحاربها الإسلام بكل قوة.
كلا الطرفين أساؤوا إلى هذا الدين الحنيف الأول: قدم الإسلام بطريقة مشوهة وفسر نصوص القرآن والسنة أيضاً بطريقة مشوهة إلى درجة أنها تركت في ذهن المتلقي وبخاصة محدودي الثقافة الإسلامية حالة من الخلل والفوضى والخلط والتشويش، وصورة ذهنية خطيرة تقول للآخرين: هذا هو الإسلام الذي لا يظهر سوى التطرف والعنف والشدة والإرهاب وتفجير النفس لقتل الآخرين ودفعت بعض الشباب المغرر به إلى اعتناق مثل هذا الطريق الذي لم ينتج عنه إلا البلاء العظيم.
والثاني: شوّه الإسلام وتعاليمه السمحة وزرع في عقول الآخرين حالة من الشك في الدين ودفعهم إلى انتهاج وسائل في محاربة الدين والسعي إلى تغيير الثقافة والفكر والعقيدة، لكن تتفق مع أفكار ومبادئ الملحدين بالدين، ولا أنكر أن ما ينشر أو يذاع من كلا الطرفين يصيبني بحالة من القلق والغثيان بسبب كثرة الأباطيل والادعاءات والعبارات التي تمتلئ بكم هائل من السموم الموجه إلى هذا الدين وكتبه وعلمائه الأفاضل ورموزه التاريخية وحكامنا المسلمين لما تحتوي عليه من كم هائل من الأكاذيب والمصطلحات والمفردات المختلفة، والتي تهدف بالأساس إلى زرع الفتنة والشك بين المسلمين.
هؤلاء للأسف يريدون بأفعالهم هذه إيصال رسالة تقول إن الإسلام دين يقوم على ممارسة العنف بكل أشكاله مثلما يقال ويسطر في كتب الغرب، بل أكاد أن أقول إنها أعطت مساحة واسعة كي يستمر مثل هذا الإعلام في ممارسة نزواته العدائية في قلب الحقائق وإقناع الناس العاديين بالأكاذيب حول الإسلام وإعطاء خبراء الإعلام الغربيين فرصة لينصبوا أنفسهم على أنهم خبراء في كل ما يخص الإسلام والمسلمين.
إننا بالفعل نعيش حرباً حقيقية من داخل الإسلام نفسه، حرباً تريد تشويه الإسلام وتخريب مجتمعاته وتمزيقه من الداخل لتحقيق هدف أعداء الإسلام الذين لا يتوقفون عن وصفه بأنه دين للتطرف والإرهاب والتخلف وليس دين للبناء والتعمير والارتقاء والرحمة والمحبة والتسامح والعدالة والتعايش بين البشر، والشيء المؤسف أن ذلك يأتي في الوقت الذي تتصاعد فيه الحملات العدائية الضاربة في الغرب ضد أمتنا العربية والإسلامية، وأننا بمثل هذا الخلط الخطير بين رسالة الإسلام المعتدلة ورسالة التطرف والإلحاد البغيضة نؤكد مصداقية أباطيلهم التي يدعونها أن خطورة مثل هذه التوجهات تكمن في أنها تحمل في داخلها شحنة قوية من السموم النافثة بقوة إلى العقول، والتي تعمل على تغذيتها بصورة تجعلها جاهزة للشعور بالغضب والسخط الذي يقضي على حالة الأمن والسلام والاطمئنان التي يشعر بها المسلم في هذا الدين، بل والأخطر أنها تحثه على القيام بأفعال منافية للعقيدة والأخلاق والقيم مثل قيامه بتفجير نفسه لقتل الآخرين.
نحن، المسلمين، أصبح علينا اليوم دور كبير في مواجهة مثل هذه التحديات الخطيرة التي تحاول تشويه الإسلام، وأن نقف جميعاً صفاً واحداً ضد مثل هذه التيارات والحركات الهادمة للدفاع عنه على كل المستويات وبمختلف الأساليب والوسائل.