في الوقت الذي نتحدث فيه بفخر واعتزاز عن كثير من شباب الإمارات الذين ينتمون لجيل منتصف الثمانينات وصولاً للتسعينات، من الذين أنهوا تعليمهم هنا في مدارس الإمارات والتحقوا بجامعات عريقة ذات تصنيفات عالمية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
وتخصصوا في علوم دقيقة لم يكن أحد من الذين قبلهم قد فكر فيها أو حاول دراستها، هؤلاء الشباب كانوا يعرفون جيداً متطلبات وطنهم وزمانهم الذي يتغير بسرعة الضوء، هذا يدل على ثقتهم بوطنهم وبالمستقبل، وهو أمر في غاية الأهمية، لأنه دليل وعي وحس كبير بالمسؤولية!
إن الذي علينا أن نفكر فيه جيداً، اليوم، هم أجيال الألفية الثالثة، أجيال ما بعد ثورة وسائل الاتصالات والإعلام الرقمي، أجيال لاتزال على مقاعد الدراسة، لايزالون في المراحل الإعدادية والثانوية، لا يتوافر لدى معظمهم ذلك التطلع والاندفاع الذي لاحظناه كأسر وأولياء أمور في من سبقهم بثلاث أو خمس سنوات، دون أن ننسى أن معظم هؤلاء هم نتاج بيئة أسرية مختلفة عما ساد سابقاً، وتربية اعتمدت على الخادمات الأجنبيات، وثقافة أساسها الاستهلاك وفقدان محددات الهوية!
نحن هنا نتحدث عن انطباعات وملاحظات شخصية وقصص نسمعها من الأمهات والمعلمين والمعلمات، وهذا رافد معلوماتي جيد بلا شك، لكن ظاهرة بهذه الأهمية لا يمكن بناء أحكام ونتائج قطعية فيها ما لم تخضع للدراسة بشكل علمي للوصول إلى حصر الإشكالية، وما إذا كانت مجرد حالات كغيرها في كل مكان وزمان، أم هي ظاهرة منتشرة على نطاق مقلق!
هناك انتشار للفكر المتشدد بين الطلاب تحديداً، وهناك أفكار تتبنى فكراً أقرب للتطرف أو العنصرية في تعامله مع الآخر، وهناك أعداد كبيرة تسجل مستويات علمية متدنية جداً في مواد الدراسة الأساسية كاللغة العربية والإنجليزية والرياضيات والتاريخ.
وهناك حالة سلوكية طاغية فيما يخص العلاقة بالمعلم والمدرسة ومفاهيم العلم والقراءة والكتب والثقافة وغير ذلك، هناك أنماط سلوكية تبدو امتداداً لممارسات مواقع التواصل الاجتماعي التي يتبعها البعض كالغوغائية والتطاول وعدم احترام أي أحد وأي شيء، والميل للتكفير والتخوين وغير ذلك!
هذا كله لا يجب التعامل معه ببساطة أو باستهانة، لأن ما ذكر يؤشر على وجود ظواهر سلوكية لا علاقة لها بعمر المراهقة أو ما يعرف بـ(شيطنة الشباب)، لكن له علاقة بمنظومة قيم منحدرة وطارئة، ترتبط بما يستقيه هؤلاء من أفلام العنف وغوغائية «السوشال ميديا».
وما حدث من انقلاب الأوضاع في الخريطة العربية، وما نتج عنه من حروب ودمار ومشاهد عنف يومية وجماعات منحرفة شوهت الدين وأوجدت حالة من العدمية والإحباط عند الكثيرين فيما يتعلق بالمستقبل! هؤلاء بحاجة لاستراتيجيات تربية وتوجيه وتعليم مختلفة، تعيد رتق الثقوب في شخصياتهم وتوجهاتهم قبل فوات الأوان!