ضمن هذه التغيرات التكنولوجية التي يمكن أن تغير كثيراً من وضع الأمن الغذائي العربي تأتي مسألة الزراعة من دون تربة، والتي أثبتت نجاحها في العديد من بلدان العالم التي استطاعت من خلالها توفير احتياجاتها من المنتجات الزراعية، كما أن هذه التقنيات الجديدة توفر إمكانية الزراعة في الأراضي المالحة، والتي يمكن أن تشكل حلاً عملياً لاستغلال أراض شاسعة في الدول العربية، لم يكن بالإمكان الاستفادة منها في الماضي.وفيما يتعلق بندرة مصادر المياه في البلدان العربية، فإن الابتكارات الحديثة وفّرت إمكانات رائعة لتنمية القطاع الزراعي بالاعتماد على حد أدنى من استخدام المياه، وذلك بتقليل الهدر للحد من التسرب وزيادة كميات الإنتاج بأقل قدر ممكن من مصادر المياه، في حين تتوافر إمكانات هائلة من خلال تطوير الزراعة العمودية، والتي تشبه كثيراً بناء الشقق السكنية، حيث يمكن إقامة طبقات من الصفوف الصناعية التي تعتمد على الزراعة من دون تربة وبإنتاج غزير يلبي العديد من احتياجات المنتجات الزراعية، حيث يشكل «برج الواحة» الزراعي بدبي مثالاً حياً لمثل هذا التوجه المستقبلي.
هذه وغيرها من التقنيات الحديثة التي تطرق إليها مؤتمر الفجيرة غيرت كثيراً من نظرة الدول للقطاع الزراعي، إذ قلصت الفوارق بين البلدان التي تملك مصادر المياه والأراضي الزراعية وبين تلك التي لا تتوافر فيها تلك المصادر، وأتاحت فرصاً متقاربة لتنمية المنتجات الزراعية باستخدام هذه التقنيات، وهو ما يحدث من الناحية العملية في الوقت الحاضر، حيث يمكن ملاحظة زيادة الإنتاج الزراعي ومنتجات الألبان في الدول الخليجية التي لم تكن تقليديا ضمن البلدان المنتجة لهذه السلع. وإذا أضيف إلى ذلك العوامل الأخرى والمعروفة منذ زمن بعيد، كتوفر مصادر المياه والأراضي الصالحة للزراعة والرعي في بعض البلدان العربية، كمصر والسودان، فإن هناك قدرات كبيرة لتنمية القطاع الزراعي والثروة الحيوانية في البلدان العربية لم تستغل حتى الآن، ويمكنها أن تقلص الفجوة بين الاحتياجات الغذائية ونسبة الواردات لدعم الأمن الغذائي العربي.
في الوقت نفسه هناك تحديات تواجه كافة بلدان العالم تتعلق بالزيادة السكانية واستخدام المبيدات الضارة بصورة أساسية لزيادة الإنتاج لتلبية الاحتياجات المتزايدة للغذاء، حيث تسود أوروبا الغربية حالياً حملة معارضة قوية لوقف استخدام المبيدات، أو الحد منها والعودة للزراعة العضوية من خلال تطوير تقنيات بديلة للمبيدات الحشرية والهرمونات، وهو تحد حقيقي قدمت بعض أوراق العمل بعض التصورات العملية والعلمية لمعالجته، علماً أن هناك فوارق حتى بين الدول المتطورة لحل هذه المعضلة المعقدة، فوجهة النظر الأوروبية تختلف تماماً في هذا الجانب مع وجهة النظر الأميركية والصينية.
بالنتيجة جاء مؤتمر الفجيرة ليلفت الانتباه إلى العديد من التطورات المستجدة، وليوصي باتخاذ قرارات يمكن أن تساهم بفعالية في تقليص الفجوة الغذائية العربية، وهو أمر يحسب للجهات المنظمة، وبالأخص لغرفة تجارة وصناعة الفجيرة، التي تتميز باستمرارها في أنشطتها في مجال الندوات والمؤتمرات الخاصة بمختلف جوانب التنمية.