ليس هناك شك في أن الأمة العربية والإسلامية تواجه اليوم أخطر مؤامرة في تاريخها المعاصر، ومهما حاول البعض إنكار هذه الحقيقة أو التخفيف منها، فهي واضحة للكثيرين، وأصحاب المؤامرة يعملون وفق استراتيجية بث الفوضى، بغية تمزيق وحدة الأمة وتفتيت ترابطها للسيطرة عليها وتجريدها من هويتها وحضارتها الروحية والأخلاقية، وهذا واضح في الحروب الأهلية التي طالت العراق وسوريا واليمن وليبيا، حيث تم استخدام كل الأدوات والشعارات والقدرات والإمكانات، كما تم تجنيد المرتزقة لإذكاء الصراعات وتوسيع دائرة الفوضى.
في البداية كنا نظن أن إيران كدولة جارة سوف تحترم حق الجوار وتعمل بروح التعاون والتعايش مع جيرانها العرب، ولم يدرك بعضنا أنها جزء من المخطط الذي يستهدف المنطقة العربية، وأنه يتم توظيفها انطلاقاً من أطماعها التاريخية لتسخين المشهد السياسي وتحريك الفتنة الطائفية منذ قيام ثورة الخميني، وأنه تم إعطاؤها دوراً شبيهاً بالدور الذي تلعبه إسرائيل منذ قيامها في قلب الوطن العربي، وذلك لشغل الأمة عن المخططات الجاري تنفيذها في الخفاء.
وتطور الأمر بتوظيف المنظمات الإرهابية لخدمة أهداف الفوضى، بما في ذلك «القاعدة»، و«داعش» الذي اعتبرته أغلب التحليلات صنيعة لأجهزة استخبارات أجنبية كبيرة، ومن يرصد ممارسات هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المشابهة التي صنعتها الاستخبارات الأجنبية، والتي ترفع شعار الإسلام كواجهة وتنشر الرعب في المنطقة، يجد أنها جميعاً تتبنى طروحات وخطابات صادمة للعقل ومشحونة بالتعصب والتطرف والتوحش، وأنها تهدف كلها إلى تخريب الدول الوطنية من الداخل وتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الخارج حتى يُنظَرَ للدين الحنيف على أنه قرين للإرهاب والتطرف، وتترسخ في الذهن حالة من الارتياب حيال الإسلام الذي نقل الناس من الظلام إلى النور، وأعطى الصدارة للعلم والمعرفة والحرية والعدالة، وعلَّم الإنسان عظمة الحب والإخاء والتسامح واحترام الآخرين، وحوّل حياته -بعد بنائها مجدداً وفق تعاليمه- إلى منهاج متكامل لأرقى قيم الحياة الأسرية والأخلاقية والحضارية.ولتقريب الصورة أُشير هنا إلى تحقيق نشرته مجلة «الأهرام العربي» حول مجموعة من أعضاء «داعش» في السجون الليبية، يَثبُت من خلاله أن هذا التنظيم يعمل وفق أجندة استخباراتية واضحة، فمثلاً يعترف أحد أعضائه أنه شارك في تصفية العديد من جنود الجيش والشرطة، مما يؤكد استهدافه العاملين في مؤسسات حيوية تحمي الدول الوطنية بغية إسقاطها. ويقول آخر: شاركت في قتل إعلاميين، ويعترف ثالث بأنه شارك في قتل 8 أشخاص من كبار السن كانوا مسافرين للعلاج في مصر!
ولإنضاج حالة «داعش»، يتم تحريك خيوط المؤامرة لخلق حروب أهلية داخلية تضعف الدول الوطنية وتجعلها جاهزة للهيمنة، وأقرب مثال على ذلك ما قاله أحمد قذاف الدم، القيادي بـ«جبهة النضال الوطني» الليبية لصحيفة «الشرق الأوسط»، من أن الأسلحة تتدفق على الفصائل المتحاربة في ليبيا على مرأى ومسمع من العالم، رغم الحظر الدولي، وأن هناك طائرات مجهولة تأتي ليلاً لتسقط أسلحة في عدة مناطق، مع أن ليبيا محاصرة بأساطيل الغرب، وفي سرت خاصة تأتي قوارب وسفن تنزل أسلحة ومقاتلين، وذلك لأن هناك من يتعمد وصول ليبيا إلى حافة الهاوية حتى تستنجد بالغرب، لكي يأتي لإنقاذها وتصبح مستعمرة من جديد.