أظهر الإرهاب وجهه القبيح مرة أخرى ليلة الثلاثاء في مدينة اسطنبول التركية، حيث أسفر الهجوم الدموي الذي قام به ثلاثة انتحاريين في مطار أتاتورك الدولي، عن سقوط 44 قتيلا، بالإضافة إلى عشرات الإصابات، ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة الهجمات الإرهابية التي تستهدف أمن تركيا واستقرارها واقتصادها.
تركيا مستهدفة منذ فترة طويلة لاستقلال قرارها، وصعود دورها الإقليمي، وتقديمها تجربة ديمقراطية ناجحة للشعوب المسلمة، وتأييدها لنضال الشعوب الثائرة ضد الظلم والطغيان من أجل الحصول على حريتها وكرامتها، ودعمها لقضايا الأمة الإسلامية في أنحاء العالم، ووقوفها إلى جانب سكان غزة المحاصرين ومسلمي أراكان المضطهدين والشعب الصومالي المنهمك بالحروب، وغيرها من الأسباب. ويطل الإرهاب برأسه في تركيا أحيانا في ثوب حزب العمال الكردستاني وأخرى في ثوب تنظيم الدولة «داعش»، إلا أن تلك العمليات الإرهابية كلها تخدم أجندات قوى دولية وإقليمية تعادي تركيا وتراها خطرا يهدد مصالحها في المنطقة.
العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت مطار أتاتورك باسطنبول، في إحدى ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، لتودي بحياة عشرات من المسلمين المدنيين، بينهم أطفال ونساء، قام بها ثلاثة انتحاريين، أحدهم أوزبكي والثاني قيرغيزي والثالث داغستاني، يحمل كلهم جوازات سفر روسية. وتشتبه السلطات التركية في انتمائهم إلى تنظيم داعش، غير أنه من المؤكد أن أنقرة ستبذل قصارى جهدها للوصول إلى اليد التي حرَّكت هذه الخلية، حتى وإن لم تعلن نتائج تلك الجهود، لأن تنظيم داعش -على ما يبدو- لم يعد تنظيما واحدا، بل هناك أكثر من منظمة إرهابية وخلايا داعشية مرتزقة تتبع كل واحدة منها لجهة استخباراتية.
قوات الأمن التركية قتلت قبل أيام انتحاريا داعشيا حاول التسلل عبر الحدود إلى الأراضي التركية، وتبين أنه لم يأت من الرقة، بل سافر من العاصمة دمشق إلى مدينة قامشلي على متن طائرة الخطوط الجوية السورية، الأمر الذي يثير علامات استفهام حول الجهة التي ترسل هؤلاء الانتحاريين إلى تركيا.
ومما لا شك فيه أن من أهداف الإرهاب الذي تتعرض له تركيا، سواء كان انفصاليا أو داعشيا، إلحاق الضرر باقتصاد البلاد، ولا يحتاج المتابع إلى تخصص أو خبرة واسعة ليعرف أن الاعتداء الأخير على مطار أتاتورك في اسطنبول يهدف إلى ضرب السياحة، إلا أن الاقتصاد التركي لا يعتمد فقط على السياحة، كما أن السياحة التركية لا تعتمد على مطار أتاتورك وحده. وفي تحدٍّ للإرهاب، تم فتح المطار بعد خمس ساعات فقط من وقوع العملية الإرهابية وأزيلت آثارها على وجه السرعة وبدأت الرحلات وعاد العمل فيه إلى طبيعته في فترة قياسية.
تركيا تواجه الإرهاب منذ سنين، ولم ينجح الإرهابيون حتى اليوم في ثنيها عن طريق التطوير والتقدم والتنمية والازدهار، ولن ينجحوا بإذن الله في دفعها إلى الاستسلام للإرهاب. وكأفضل رد على العملية الإرهابية، قام رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، بعد أقل من 48 ساعة منها، بافتتاح جسر «عثمان غازي» الذي يربط بين محافظتي «كوجا إيلي» و «يالوفا» شمال غربي تركيا، وهو رابع أطول جسر معلق في العالم، معلنا للجميع أن المنظمات الإرهابية لن تنجح على الإطلاق في إبعاد تركيا عن أهدافها.;