بدأت العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي تعود إلى طبيعتها، بعد أن عصفت بها رياح أزمة مصر وتدهورت بسبب تباين موقف أنقرة وموقف معظم عواصم الخليج العربي، من الانقلاب العسكري الذي أسقط فيه جيش السيسي رئيس مصر الشرعي المنتخب محمد مرسي.
التقارب الكبير الذي تشهده العلاقات التركية السعودية في الآونة الأخيرة، بعيدا عن الاختلاف في الملف المصري، أصبح يلقي بظلاله على علاقات أنقرة مع مجلس التعاون الخليجي، حيث شارك وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في الاجتماع الخليجي التركي، الذي انعقد الثلاثاء الماضي في الرياض، وأكَّد البيان المشترك الصادر عن الاجتماع تضامن دول المجلس مع تركيا في مواجهتها لمحاولة الانقلاب الفاشلة، ودعمها للإجراءات التي تتخذها تركيا بهذا الشأن، بما في ذلك جهودها في مواجهة الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، المتورط في محاولة الانقلاب.
كانت العلاقات التركية الخليجية قبل اندلاع ثورات الربيع العربي متينة لإدراك كل طرف حاجته إلى الطرف الآخر، في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد أمن دول الخليج وتركيا واستقرارها على حد سواء. ويقدم الطرفان هذه الأيام خطوات ملموسة لترميم علاقاتهما وعودتها إلى سابق عهدها، لأن تحديات اليوم ومخاطره أكبر بكثير مما كانت قبل الربيع العربي، في ظل التفاهم الأمريكي الإيراني والمخططات التي تهدف إلى تفكيك دول المنطقة وتقسيمها إلى دويلات متناحرة.
فرصُ تعزيز التعاون بين تركيا ودول الخليج العربي ليست ضئيلة، لأن مواقف السعودية وقطر وتركيا من قضايا المنطقة، بما فيها الملف العراقي والملف السوري والملف اليمني، متطابقة إلى حد كبير. أمَّا الاختلاف في الملف المصري فيمكن تجاوزه بسهولة، بعد أن رأت الدول الداعمة للانقلاب حقيقة عبد الفتاح السيسي والانقلابيين، وسئمت من محاولات ابتزازهم المملة للحصول على مزيد من الأموال.
تركيا والسعودية وقطر تدعم الشعب السوري في نضاله ضد النظام وحلفائه. وبمبادرة الرياض والدوحة ناشدت أكثر من 60 دولة المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتحمل مسؤوليته واتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية المدنيين في سوريا من المجازر الجماعية، ولم تؤيد مصر هذه المناشدة، بل صوتت في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي، الأمر الذي دفع المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله المعلمي إلى التعبير عن استغرابه الشديد من هذا الموقف، قائلا: «كان مؤلما أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب العربي»، في إشارة إلى مندوب مصر.
وفي الملف العراقي، تشعر تركيا بقلق من محاولات التغيير الديموغرافي في الموصل خلال معركة تحرير المدينة، وهذا القلق ذاته تشعر به الرياض، كما عبَّر عنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حين حذَّر من استخدام ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية في تحرير الموصل من تنظيم الدولة، وقال في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره التركي في الرياض: «ميليشيات طائفية - انتماؤها لإيران - سبَّبت مشاكل وارتكبت جرائم في أماكن مختلفة في العراق، وإذا دخلت الموصل قد تحدث كوارث».
تعزيز التعاون الخليجي التركي ليس ترفا، بل ضرورة تفرضها الظروف الراهنة في منطقة تبدو مقبلة على أحداث جسيمة. والمطلوب من الأطراف المعنية أن تسهم فيه وتبتعد عن سياسات تفسد أجواء التعاون.;