كنت أتمتم بذلك اللحن وأنا أحاول أن أقوم بتركيبه على قصيدة أعجبتني، ولكنني لم أكن أتوقع أن يكون للعملية (تركيب لحن أغنية شعبية على قصيدة عمودية) كل ذلك التأثير في صاحبي، تغيّر لونه، وارتعدت فرائصه كما تقول العرب الذين لا يعرف نصفهم ما هي الفرائص أصلاً، وقام بوضع هاتفه النقال بعيداً على الكرسي الخلفي، وهي الحركة التي لا يقوم بها إلا حينما نتحدث في السياسة عميقاً.. أخبرني صاحبي بأن الشاعر الذي قال القصيدة معروف بمواقفه السياسية التي «لك عليها».. حقيقة لم أكن أعرف أولاً أن هذا الشاعر هو صاحب تلك القصيدة، فلا يمكننا من قراءة قصيدة ما تخيل شكل شاعرها، من الذي كان يمكن أن يقرأ: «فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كظاهر ثغرك المتبسم» ويتخيل أن قائلها كان يشبه الممثل الليبي الشهير علي قدارة..!! أخبرت صاحبي بأنني أدندن بقصيدة رومانسية ولا أنوي أن أناسب الشاعر ولا تهمني مواقفه السياسية السخيفة.. ولكنه لم يقتنع إلا بعد أن أخذ علي موثقاً من الله ألّا أخبر أحداً بأنني دندنت بتلك القصيدة في سيارته، أنزلني على الإشارة خارج الفريج بشكل سريع مشيعاً باللعنات والحلفان للمرة التي لا أعرف رقمها بأنني لن أركب معه مرة أخرى!
إذاً دعنا نقتنع بكلام صديقي، فنفرغ تراثنا الأدبي من القصائد التي كتبها زملاؤنا الشيوعيون أولاً، وهذا يشمل مظفر النواب وأحمد مطر ودرويش وغيرهم الكثير، ثم نحذف قصائد من خالفنا المذهب من قدماء مثل المتنبي وأبوفراس إلى المحدثين أمثال الجواهري ومن لف لفه، سألغي من قراءاتي روايات يوسف زيدان وإبراهيم عيسى وعلي الطنطاوي ونجيب الكيلاني حتى وضوح الرؤية بالنسبة لهم، ومن باب أولى أن نشطب من جدول قراءاتنا من يخالفنا الرأي أو المشرب، فلن نقرأ لدستوفسكي وتولستوي وغوغل، خاصة أنه من الواضح تأرجحهم بين الإلحاد واليسارية المطلقة، ولكي نكون عادلين فسنقوم بشطب ما كتبه وليام شكسبير وقومه منذ بدء أنشطة الترجمة وحتى كتب دان براون الأخيرة، كلهم كفار.
بالطبع لن أتحدث عن الكتاب الصينيين سن اتزو، وشي نايان، وتساو تشين، وروائع يانغ رونغ، لأنهم أصلاً ليسوا أهل كتاب.. ولا ننسى بالطبع مقاطعة كتابات الخيام وأشعاره والمدعو جلال الدين الرومي، والأصفهاني، فعقيدتهم ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها لا تحمل ختم الجودة، وكان لديهم شكوك كثيرة.
أما أن تفكر في القراءة لديفيد غروسمان، أو إيلي عمير، أو عاموس عوز، فأنت تستحق عندها أن ترجم دون الرجوع إلى أي جهة أدبية أو قليلة أدب، لأنك تتجرأ على أن تقرأ للعدو مباشرة.. ألا ترى بين حروف الرواية دماء أهلك؟!
هذا في الكتب فقط، ولا أريد أن أُسقط لك النظرية على كل شرائح الإبداع الإنساني من مسرح وسينما وفنون وغيرها.. إذا مزجت بين السياسة والأدب، فقد أفسدنا الأدب ولم نغير في السياسة، دعوا لنا هذه النافذة الإنسانية الوحيدة، لعلها تجمعنا بعيداً عن تعقيدات العالم خارجها.
ومن لم يعجبه ذلك فليدندن بحب البر والمزيون!! ما عليها غبار!