المدن الجميلة، الحالمة، والساحرة التي تدسّها لنا الإعلانات وحسابات المسافرين العرب، ومواقع الترويج السياحي كثيرة جداً، بل أكثر من أن تعد أو تحصى، إلى درجة أنك في كل مرة تدرج فيها مدناً جديدة تقف متسائلاً إن كان العمر سيكفيك لزيارة كل هذه المدن.
ففي كل يوم تكتشف مدناً جديدة لم تسمع بها سابقاً، علينا فقط أن نميز بين مدن صنعت سمعتها الصور والحكايات وأقوال الأدباء والشعراء، وبين مدن حفرت شهرتها باستحقاق، حتى إن كانت بعيدة عن الأساطير والأشعار!
لطالما أحببنا مدناً غازلت خيالنا لأن اسمها ورد في مسرحيات وروايات قرأناها أيام المراهقة، أو لأن أفلاماً شهيرة جرت أحداثها في أزقتها، أو لأنها كانت ذات ماضٍ عريق عندما كانت الأيام غير هذه الأيام، كثيرة هي مدن الحنين التي تغازل الخيال، لكن لا شيء يبقى على ما هو عليه، يذهب الزمان الجميل، وتتقادم المباني، وتبهت الألوان، ويكبر البشر، ووحدها الصور تبقى حاضرة تذكّر بما كان، هناك من يستغل تلك الصور لينادي صوت الحنين في داخلنا لفينسيا مدينة السحر والأحلام، ولبيروت سيدة المدن، وللإسكندرية عروس المصايف، ولبغداد مدينة المكتبات والشعراء و..إلخ.
نحن شعوب رومانسية بالفطرة، بالرغم من أن الواقع ليس فيه ما يعزز هذه النزعة، وبرغم يقيننا بأفول نجم كثير من المدن وبزوغ نجم مدن أخرى، فإننا أوفياء لمدن الحنين برغم سيئات واقعها الحالي!
كتبت صديقتي بعد أن زارت فينسيا أخيراً، أنها كانت تكتم أنفاسها لتتمكن من التقاط تلك الصورة الجميلة لرحلة الجندول في القنال الكبير، ذلك أن المدينة التي ترتبط بحكايات الرومانسيين وأشهر العشاق تغرق في البحر بمعدل متزايد، كما أن مياه الصرف الصحي تزكم الأنوف، إلا أن ماكينة الترويج السياحي لا تتحدث إلا عن منزل كازانوفا وجسر التنهدات والقنال الكبير وقوارب الجندولا والصور الحالمة!
دبي مدينة جديدة، تحتل قلب المشهد السياحي اليوم ومنذ سنوات عدة، لا ينقصها أي شيء لتتربع على قائمة المدن الأفضل، وحتى الرومانسية لا تنقصها، فحين يلتقي البحر بالصحراء والماضي بإنجازات الحداثة وأرقى المرافق والخدمات مع معالم الأمس، تصبح صور دبي هي الأفضل بالتأكيد.
وإن كان للصور رائحة فإن رائحة دبي ستكون الأجمل حتماً، دبي وهي تشق قناتها الرائعة هذه الأيام لتمنحها سحراً خلاباً لا يجارى، ولتضاف إلى علامات كثيرة جداً، من آلاف الأسباب التي لأجلها يأتي الناس إلى دبي الساحرة التي لا تقل روعة عن فينسيا، إن لم تضاهِها.