يلتئم اليوم الخميس الاجتماع الأول للهيئة الاقتصادية والتنموية الخليجية والتي تم تشكيلها مؤخراً بقرار من القمة التشاورية في خطوة متقدمة للتنسيق بين الرؤى التنموية الخليجية وللمساهمة في الإسراع في تنفيذ ما تبقى من مهام التكامل الخليجي، وبالأخص تلك التي اتخذت بشأنها قرارات، كاستكمال مقومات الاتحاد الجمركي والسوق المشترك.
وتشكل كل رؤية خليجية طموحاً يسعى إلى تنويع مصادر الدخل والتقليل قدر الإمكان من الاعتماد على عائدات النفط لتمويل الموازنات السنوية وبرامج التنمية، إذ إنه بالإضافة إلى القرارات الداخلية لكل دولة، فإنه بمتابعة الخطوط العامة لهذه الرؤى تتضح العديد من القضايا والمتطلبات التي تستوجب التنسيق والتكامل. وإذا ما أخذنا أحد هذه الجوانب، فإن عملية الإنجاز تتطلب من بين أمور عديدة تسهيلات تجارية وسوقاً كبيراً، مما يفسر تركيز الاجتماع الأول للهيئة على استكمال البنود الخاصة بالتطبيق الكامل للاتحاد الجمركي والسوق المشترك.
وبما أن الهيئة أضحت مؤسسة قائمة بذاتها من ضمن مؤسسات مجلس التعاون وتتمتع بتنظيم إداري متكامل، فإن مهامها لن تقتصر على هذين البندين فحسب، وإنما ستشمل مراجعة واستعراض قرارات القمم الخليجية وإزالة المعوقات التي ساهمت في تأجيل تنفيذ بعض القرارات وتقديم مقترحات جديدة لتعزيز التعاون، وبالأخص تكامل الرؤى الخليجية، كما أنها ستهتم بالأوضاع الاقتصادية العامة، كتأثر النمو بتراجع أسعار النفط وتنويع مصادر الدخل وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وتحديد مستوياتها والسلع المستثناة منها، كالسلع الغذائية والمشروبات وتحديد مستوى ضريبي أعلى للمنتجات الملوثة للبيئة والمضرة بالصحة العامة، كالتبغ أو تلك الخاصة بالمبالغة في زيادة استهلاك السلع طويلة المدى، والتي تساهم بدورها في ارتفاع الواردات والتأثير في الميزان التجاري.وبالإضافة إلى ذلك سيكون أمام هذه الهيئة مهام ذات آفاق مستقبلية واعدة، كالعمل على سرعة توحيد الأنظمة والتشريعات والقوانين التجارية والمالية والاقتصادية والتي بدونها يصعب الحديث عن سوق خليجي مشترك، حيث يعتبر ذلك من أكثر المهام أهمية وصعوبة، إلا أن أمر إنجازها ممكن بفضل الإمكانات والقدرات التي تتمتع بها الهيئة، وبالأخص اهتمام قادة دول المجلس بعملها واتخاذهم قرار تشكيلها وسرعة بدء عملها والمستوى التمثيلي العالي لأعضائها.
إذن تقف دول المجلس أمام بدء عمل هيئة غير عادية تختلف عما سبقها من هيئات ولجان خاصة بالتنمية الاقتصادية، كونها تتمتع بصلاحيات أوسع وقدرات أكبر على رفع التوصيات إلى قادة دول المجلس ومتابعة تنفيذ القرارات المتخذة، حيث يشكل ذلك جانباً مهماً افتقدته بعض اللجان الخاصة بالتعاون الاقتصادي والتنموي، كما أن عملها سيتضمن عملية تنسيق شاملة لأوجه التكامل الخليجي، وبالأخص التنسيق بين الرؤى التنموية التي بدأ تطبيقها في معظم دول المجلس. وحتى الآن، فإن الخطوات التي اتُخذت في العامين الماضيين، كالتغييرات المالية وبعض إصلاحات الميزانية العامة ستساهم في تسهيل عمل الهيئة الاقتصادية والتنموية الخليجية، إذ يمكن البناء على هذه الإجراءات واستكمالها وتطويرها وإدراجها ضمن المرحلة القادمة من تطبيق بنود الرؤى الخليجية والتنسيق بين مكوناتها، وهو ما سيشكل بحد ذاته تطوراً ملفتاً في العمل الاقتصادي الخليجي المشترك.
بالتأكيد هذه مهمة ليست سهلة، إلا أنها ممكنة، خصوصاً وأن تنفيذها سيشكل نقلة نوعية لعملية التكامل الاقتصادي الخليجي، سواء فيما يتعلق بالتحضير لمرحلة ما بعد النفط بالتنوع الاقتصادي والمحافظة على مستويات المعيشة المرتفعة من جهة، ووضع الاقتصاد الخليجي ضمن العشر الأوائل من الاقتصادات العالمية من جهة أخرى، ففي الوقت الحالي يحتل الاقتصاد الخليجي المرتبة الثانية عشرة عالمياً بحجم 1.6 تريليون دولار، فمن المتوقع أن يكون ضمن العشر الأوائل في منتصف العقد القادم.