أحدث الأخبار
  • 07:49 . سوريا تستأنف تصدير النفط الخام بعد 14 عاما من التوقف... المزيد
  • 12:54 . مقررة أممية: "إسرائيل" قتلت من الصحفيين أكثر مما قُتل بالحربين العالميتين... المزيد
  • 12:46 . السودان.. أكثر من ألف قتيل بانزلاق أرضي بإقليم دارفور... المزيد
  • 12:45 . إيران تؤكد الاستعداد لخفض تخصيب اليورانيوم بحال التوصل لاتفاق... المزيد
  • 12:18 . وزير خارجية بريطانيا: أفعال "إسرائيل" لن تنهي الحرب ولن تعيد الأسرى... المزيد
  • 12:17 . رئيس الوزراء العراقي يزور سلطنة عُمان غدًا... المزيد
  • 12:11 . "الوزاري الخليجي" يدعو لوقف حرب غزة... المزيد
  • 11:54 . تعديل وزاري محدود يشمل وزارة الصحة وتعيين أحمد الصايغ وزيراً جديداً... المزيد
  • 11:52 . مساعدات إماراتية عاجلة لمتضرري السيول غربي اليمن وسط جدل حول انتقائيتها جنوباً وغرباً... المزيد
  • 11:31 . "التربية" تعتمد دليلاً إجرائياً جديداً للغياب.. إعادة السنة بعد 15 يوماً غير مبرّرة... المزيد
  • 11:23 . "المعاشات" تحذر من مفاهيم خاطئة تقود إلى قرارات تقاعدية غير آمنة... المزيد
  • 01:48 . إندونيسيا تشدد الإجراءات الأمنية بعد احتجاجات دامية... المزيد
  • 12:02 . 622 قتيلا في زلزال ضرب جنوب شرق أفغانستان... المزيد
  • 12:01 . المدارس الحكومية تطبق منظومة مؤشرات السلوك المتميّز بين الطلبة... المزيد
  • 12:01 . اجتماع وزاري خليجي في الكويت اليوم يتبعه لقاء مشترك مع اليابان... المزيد
  • 12:00 . الحوثيون يستهدفون سفينة نفط إسرائيلية شمال البحر الأحمر... المزيد

الدخول في قلب معمعة العقلانية

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 25-11-2016

إذا كنُا ننشد إدخال عنصر العقلانية في الثقافة العربية، وهو مطلب نادى به الكثيرون من المفكرين العرب، فعلينا أن ننظر في بعض المقولات المتعلقة بهذا الموضوع.
من هذه المقولات الخلط بين تعبيري المخ والعقل. فالعقل ليس نتاج التفاعلات الكيميائية والكهربائية في مخُ الإنسان، كما يحاول بعض الباحثين في حقل دراسة الأعصاب أن يؤكدوا عليه. ولا ينكر أحد تأثير تفاعلات المخ تلك على العقل وتسببها في حدوث بعض الأمراض العقلية والنفسية، لكن أهم مكون لعقل الإنسان هو التفاعلات الاجتماعية فيما بين دماغ هذا الإنسان وبين أدمغة البشر الآخرين في محيطه الاجتماعي. وهذا يتم من خلال أشكال لا تحصى من وسائل التفاعلات وعلى رأسها كل أنواع الكتابات والتعبيرات الفنية والأدبية والتوجيهات الدينية والمناقشات الخاصة والعامة، سواء عن طريق وسائل الإعلام أم عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي.
عقل الإنسان هو حصيلة ما وصل للفرد من أقوال الأنبياء والفلاسفة والأدباء والمفكرين على مستويات العائلة والمدرسة والجامعة والساحات العامة، وعلى مقدار تفاعل ذلك الإنسان مع كل ذلك. مدرسة علم الأعصاب الفسيولوجي وقريبه علم الأعصاب النفسي لا تعطي الأهمية القصوى لمسألة تغيير قناعات المجتمعات والبشر من خلال النقاش العام، من مثل تغيُر القناعات تجاه حقوق المرأة والطفولة وحماية البيئة وبعض العادات الاجتماعية وحقوق الإنسان ونبذ الحروب. وبالطبع نحن هنا نتحدث عن العقلانية، وليس عن الحكمة، التي هي أعلى مراحل العقلانية التي تحكمها كوكبة من القيم الأخلاقية والروحية ومن المشاعر الإنسانية.
وإذن فدراسة موضوع عقل الإنسان وتكوينه وأمراضه يجب أن لا تكون حكراَ على علماء الأعصاب، وإنما يجب أن تكون في قلب العلوم الاجتماعية والتاريخية.
كل ما ذكرناه سابقا يتعلق بالعقل الفردي. وفي الحال يطل موضوع العقل الجمعي أو المجتمعي برأسه. وفي الحال أيضا يطل موضوع نوع العقل الذي نتحدث عنه ونريد تربيته: العقل النظري أم العقل العملي. ولا يظننن أحد أن هذه الأسئلة هي ثرثرة أكاديمية. فالمفكر المغربي عبدالله العروي يؤكد أن التراث الفكري العربي الإسلامي يدور كله حول العقل. وعندما كتب جمال البنا عن أصول الشريعة ذكر أن الأصل الأول هو العقل. ثم هل ننسى قصة المعتزلة وطروحاتهم حول العقل وأهميته في فهم النص،ُ وفي طرح التساؤلات الدينية الكبرى؟ فإذا كان الأمر كذلك، يسأل الإنسان نفسه، فلماذا لم يؤد ذلك الشغف بالعقل في تراثنا إلى خلق مجتمع عقلاني؟ ذلك أن مجتمعاتنا العربية، خصوصا في أيامنا التي نعيش، تمارس اللاعقلانية في كل مجالات الحياة: في العائلة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والدين.
يجيب البعض بأن اهتمام تراثنا بالعقل تركز على العقل النظري التجريدي، وهو أمر مارسته كل مدارس علم الكلام في التاريخ العربي الإسلامي. وكان ذلك الاهتمام الشديد بالعقل النظري التأملي من أجل تثبيت اليقين الديني عند الناس، لكنه أدى أيضا إلى إهمال العقل العملي أو عقل الفعل الذي يهتمٌ بالجوانب الحياتية الدنيوية، من خلال اهتمامه بالارتقاء بالعلوم وببناء حركة تكنولوجية وصناعية. أما البعض الآخر فيشير إلى انشغال العرب في القرون الحديثة من تاريخهم بمسألة الصراع المصطنع بين المحافظة على هويتهم وشخصيتهم من خلال التركيز على تراثهم الفكري وإعلاء السلفي التقليدي منه، وبين خوفهم من التغريب والاندماج في حضارة الغرب. وقد نتج عن وجود ذلك الصراع تجميد محاولات بناء العقلانية، بشقيها النظري والعملي الفاعل، إلى حين انتهاء فترة ذلك الاستقطاب الحاد المفجع بين الأصالة والمعاصرة.
إذن من الواضح أن تكوين الإنسان العربي العقلاني في أرض العرب وترسيخ العقلانية في ثقافتنا سيحتاج إلى حسم أمرين. الأمر الأول هو تكميل العقل النظري التأملي المنتشر في كل تراثنا ببناء العقل العملي الفاعل الذي يهتُم بالحياة المحسوسة، بالطبيعة والاجتماع، ليدخل العرب في عصر إبداع المعرفة والتكنولوجيا وما ينتج عنهما من اقتصاد إنتاجي صناعي وزراعي. أما الأمر الثاني فهو حسم موضوع الأصالة والمعاصرة. فهناك مكان لكليهما، بل وكلاهما ضروريان لإحداث النهضة العقلانية المطلوبة.
لكننا هنا نتكلم عن أهمية التراث الذي خضع للمراجعة والنقد والتمحيص والتجاوز إلى متطلبات الحاضر. كما نتكلم عن الانخراط في المعاصرة بشكل إبداعي ندي ذاتي غير ممارس للتقليد الفج الأعمى ولا خاضع لمشاعر الدُونية والعجز أمام الآخر.
في ظلُ هذين التوجُهين، في الآن نفسه، وفي وجود الحرية والإرادة العامة لممارسة متطلبات التوجُهين، سيوجد تفاعل ذهني اجتماعي، فيه الكثير من الجرأة والإبداع والمغامرة، ما سيؤدي إلى بناء الإنسان العقلاني المتزن، المطلوب تواجده بكل إلحاح. هذه خطوة واحدة من بين خطوات كثيرة ستحتاج أمتنا القيام بها، بعد أن أثبتت فواجع السنوات الأخيرة بأن الترقيع والاهتمام بالسطح ما عادا يجديان. وهي خطوة تتحدى إرادة وإبداع الجميع وعلى الأخص في حقول التربية والتعليم والعلوم الاجتماعية ومنابر الإعلام الجماهيري، بما فيها المساجد والكنائس.