يقولون إنه لا يشعر بآلام الآخرين إلا من عاش الألم فعلاً، ليست الحكاية محصورة في مسألة الشعور فقط، أي أن تتعاطف وتشفق وتبكي مع الشخص الذي يعاني لأنك عانيت ذات يوم، هذا لا يكفي، إن معايشتك للألم ترتب عليك أن لا تقع في خطيئة الفرجة على آخرين يعانون في الوقت الذي تستطيع أن تسهم في تعزيز أوضاعهم تقديراً لظروفهم.
يذكر عن رئيس الولايات المتحدة الجديد الملياردير دونالد ترامب، أنه قام بتجربة إدارية وإنسانية جديرة بالتأمل، وقد تحدث عن تلك التجربة لاحقاً في مقابلة تلفزيونية، كانت التجربة باختصار حول ما يمر به أو يعانيه الموظفون أصحاب الأدوار الإدارية البسيطة ممن يلقبون بصغار الموظفين، فهل يمكن لصاحب الملايين الذي يعيش منفصلاً تماماً عن واقع هؤلاء وما يمرون به من تفاصيل خلال يومهم؟ هل يمكنه أن يعيش تلك التفاصيل؟ هل فكر صاحب شركات عملاقة ومليارات الدولارات أن يتبادل أدوار الحياة مع موظف الأرشيف مثلاً أو موظف الاستعلامات في شركته؟
قال ترامب في تلك المقابلة، إنه لكي يتقمص فعلاً التجربة، انتقل إلى مسكن بعيد عن مقر عمله، كما يفعل كل صغار الموظفين الذين يذهبون للسكن في أبعد الضواحي لإن الإيجارات أرخص، ومستلزمات الحياة كذلك أقل كلفة، لقد فعل ترامب الشيء نفسه، شأنه شأن صغار الموظفين الذين يحسبون التكاليف ويقسمونها ويطرحونها عشرات المرات لكي يتمدد الراتب فيكفي حتى آخر الشهر، ولا بأس بعد ذلك بكل تلك المآزق اليومية والمنغصات التي لابد منها لتستمر الحياة!
هناك في ذلك المنزل البعيد في أطراف المدينة، عايش الملياردير القلق الذي يعيشه الموظفون يومياً حين يتأخرون عن موعد بدء الدوام، عايش قلق النوم المتأخر والاستيقاظ المبكر والازدحام الذي لا يد لأي موظف فيه وهو في الطريق للعمل، وكذلك عند البحث المضني في محيط الشركة أو المؤسسة للحصول على موقف لسيارته البائسة، وتركها تحت رحمة الأمطار أو الشمس الحارقة ذلك لا يهم، المهم أن يصل في الموعد المحدد.
لا يعني ذلك أن المطلوب هو البحث عن مبررات للتأخير والتغيب والفوضى والكسل والتراخي و..و..و.. الخ، لكن الرجل قال باختصار إن نظرته وتقديره لعمل صغار الموظفين اختلف تماماً بعد التجربة، وإنه قام بإعطاء موظفيه زيادة مالية، تقديراً منه لجهودهم التي هو شخصياً لم يستطع تحملها بشكل يومي!
المقصود أننا إذا كلفنا أحداً بما لا نستطيع نحن احتماله، لأن هناك أعمالاً يجب أن يقوم بها شخص ما في نهاية الأمر، وإذا كانت الأقدار والظروف والحظوظ قد جعلت هؤلاء تحت إمرتنا أو ضمن طواقم إداراتنا، فلا أقل من أن نقدر عملهم وننظر له باحترام، ونعينهم عليه، يكفي أننا اعترفنا بنجاحهم في احتمال أعمال قررنا أننا سنفشل فعلاً إذا كلفنا بها!