تسارعت التفاهمات التركية الروسية بسوريا خلال الأسابيع الأخيرة على نحو أثار الكثير من الأسئلة حول دوافعها من جهة، وآفاق نجاحها من جهة أخرى.
في السياق الأول، يمكن القول إن دوافع الأتراك تختلف عن دوافع الروس، لكنها تصب في سياق من تسريع التوافق على الحل، حتى لو اضطر بوتن إلى فرض ذلك التفاهم على إيران إذا لم تقتنع (أو تقبل) به.
تركيا تعاني من نزيف اقتصادي وأمني كبير (الهجرة واللجوء والإرهاب)، وهي معنية أيضا بقطع الطريق على نشوء كيان كردي على حدودها يشجّع أكرادها على الانفصال، وفي هذه النقطة تحديدا تلتقي مع هواجس إيران حيال أكرادها أيضا، كما أنها معنية أيضا بالتفاهم مع روسيا في ظل الجفاء، بل ربما العداء الذي باتت تستشعره من الفضاء الأوروبي، وربما الأميركي أيضا. وحين يردد أردوغان مقولات الإيرانيين حول الدعم الأميركي لتنظيم الدولة، فهو يذهب بعيدا في مناكفة واشنطن.
من الجانب الروسي، يمكن القول إن بوتن يدرك تماما النظرية الأميركية في التعامل مع الأزمة، والتي تتمثل في جعلها مشروع توريط طويل المدى له، مع إدراكه لاستحالة الحسم العسكري، حتى لو تمت السيطرة على كل التراب السوري، وهو أمر سيستغرق سنوات مع شك بفرص النجاح.
الأكثر إثارة لمخاوفه، هو أن القادم إلى البيت الأبيض شخص متهور يصعب التكهن بسلوكه، في الوقت الذي يدرك فيه أن الدولة العميقة في أميركا تميل إلى مواجهة الصعود الصيني والروسي رغم المجاملات الظاهرة، وبالتالي لا يمكن استبعاد أن يبادر ترمب؛ من أجل تعميق المأزق الروسي، إلى تكرار معادلة «ستينجر» الأفغانية في سوريا، أي منح مضادات طيرات لبعض الفصائل، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير ميزان القوى.
لهذا، يجد بوتن في الحل السياسي تجنبا لاحتمالات سيئة، في الوقت الذي سيمنحه صداقة تركيا كعضو كبير في الناتو (هي الأقرب لحدوده)، وهذا يستحق التضحية بتنازلات لإيجاد حل سياسي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين إيران من ذلك؟ والجواب أن الأخيرة لم تعد مطلقة السراح بسوريا، فهي منذ استدعت روسيا للحرب، فقد منحتها الشراكة، لكنها شراكة مع قوة كبيرة، ومن الطبيعي أن تملي الأخيرة شروطها.
الأهم من ذلك أن إيران أعجز من احتمال نزيف طويل أيضا، معطوفا على احتمالات مخيفة مع ترمب الذي يتوعدها بالابتزاز والعقوبات على خلفية اتفاق النووي، ما يعني أن أحلام الخروج من العقوبات واستثمار عوائدها في مواصلة المغامرات الإقليمية، مع منح بعضها للشعب الذي ينتظر، لا تبدو واقعية، في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع الداخلي بين التيارين في الداخل؛ ودائما على كسب ود الشارع.
من هنا ستكون قدرة إيران على تعطيل الاتفاق محدودة، هي التي تعاني نزيفا في اليمن أيضا، مع أفق مسدود للحوثيين، لكن الجزم بموافقتها تبدو صعبة أيضا، في ظل روح المغامرة التي تتلبس بعض قادتها، بخاصة الحرس الثوري.
وإذا سألنا عن فصائل الثورة، فهي تستشعر بدورها عمق المأزق، بينما يبقى الموقف السعودي والقطري حاضرا أيضا، ويرجح تفاهمهما مع تركيا على ضرورة الحل.
هذا في الإطار العام، لكن المصيبة أن شياطين لا تحصى ما زالت تختبئ في التفاصيل، ما يجعل من التفاؤل المفرط الحديث عن حل قريب، وبالطبع بحضور معضلة تنظيم الدولة، وكذلك النصرة، إلى جانب موقف إيران، وربما مساعي إفشال أميركية، لكن ما يبدو مؤكدا هو أن هذه المحاولة ليست كسابقاتها.;