أحدث الأخبار
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد
  • 12:00 . كيف تعود صفقات ترامب "التاريخية" مع الخليجيين بالنفع على حفنة من النافذين؟... المزيد
  • 11:12 . الجيش السوداني يستعيد منطقة استراتيجية حدودية شمال دارفور... المزيد
  • 06:16 . حجم التجارة بين الإمارات وروسيا يتجاوز 9 مليارات دولار... المزيد
  • 01:37 . السعودية تستأنف نقل الحجاج الإيرانيين جوّاً بعد عشر سنوات من التوقف... المزيد
  • 07:33 . الاحتلال يرتكب مذابح في غزة تخلف أكثر من 130 شهيداً... المزيد
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد
  • 05:00 . السودان يتهم أبوظبي بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بعد إبعاد موظفين قنصليين من دبي... المزيد
  • 11:44 . سوريا تُطلق هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمحاسبة جرائم نظام الأسد... المزيد
  • 11:43 . إحباط محاولة تهريب 89 كبسولة كوكايين داخل أحشاء مسافر في مطار زايد الدولي... المزيد
  • 11:29 . السفارة الأمريكية في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل فلسطينيين إلى ليبيا... المزيد
  • 11:28 . السعودية تؤكد ضرورة وقف النار في غزة وأهمية دعم استقرار سوريا... المزيد
  • 11:26 . جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن... المزيد
  • 10:45 . الدوحة تستضيف جولة جديدة من محادثات الهدنة بين حماس والاحتلال... المزيد
  • 08:32 . "قمة بغداد" تحث المجتمع الدولي على الضغط لوقف الحرب على غزة... المزيد

الدماء والدموع تستصرخ الإصلاح

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 04-03-2017

عندما تفشل مجتمعات في منع حدوث الانتهاكات الحقوقية والإنسانية بحق الأقليات الدينية، أو المذهبية، أو الثقافية، من مواطنيها، عليها أن تفتش في أعمق أعماق مكونات وجودها عن الأسباب، والمهيئات لحدوث تلك الانتهاكات.
هذا هو واقع دول ومجتمعات العرب في حاضرهم الذي يعيشون. وهو ما يرى في أبهى صوره في ارتكاب التهجير، والمجازر، واغتصاب النساء بحق المواطنين المسيحيين العرب، أو في احتلال ميليشيا شيعية لقرية سنية، أو في احتلال ميليشيا سنية لقرية شيعية. في بشاعة، وحقارة، وفسق تلك الصور ينجلي الجانب المتقيّح في مكونات الوجود الاجتماعي العربي.
الدلائل كلها تشير إلى أن التهيئة لارتكاب تلك البشاعات تبدأ بالقراءات المتخلفة، والفهم اللا معقول، التاريخي والحاضر، لمنطوق الوحي الإلهي في الدين الإسلامي من جهة، وتنتهي في إصرار أعداد لا حصر لها ولا عدّ من الملقّبين بالأئمة، والفقهاء، والعلماء، وآيات الله، وحجج الإسلام، والمجاهدين، وأمراء المؤمنين، ومنقذي، ومجددي الدين عند رأس كل قرن إلخ.. على تعيين أنفسهم كوسطاء، ومعلّمين، وميسّرين، وشارحين، ومشرعين بين الخالق والمخلوقين.
وهكذا تبعد المسافة بين المسلم وربه الرحيم الغافر الذنب المتسامح المحب، بينما تصغر المسافة بينه وبين زمرة المتوسطين، المتزمتين المتعصّبين عن جهالة، غير المتسامحين بانتهازية ونفعية، المنصبّين أنفسهم بأنفسهم على أنهم الحماة الوحيدون لمشيئة الله، ووحيه، ورسالته، الذين أغرقوا الرسالة البسيطة، الموجهة لفطرة الإنسان الفرد البسيط، في لجج من مدارس، وشروحات، وتفسيرات فقهية بشرية، ألبسها بعض من أصحابها، وكثير من أتباعها، لباس القدسية والدلالة المؤكدة للفرقة الناجية.
وهكذا تكونت إشكالية كبرى في ثقافة الإنسان العربي، وترسخ مرض في عقول المجتمعات العربية. أما الإشكاليات فيجب أن تحل، وأما الأمراض فيجب أن تعالج. والحل هو في الإسراع بإصلاح المجالات التي أقحم الدين الإسلامي فيها بحسن نية وبجهل، إذ لا مشكلة في جوهر الدين نفسه والمقاصد الكبرى لرسالته.

ومن البداية، يجب التأكيد أن الورع الديني الذي تتميز به مجتمعات العرب لن يرفض محاولة إصلاحية تستند إلى العقل والعلم، وتحترم التقوى الروحية، بالرغم من التطرف والتخبط الذي تمارسه بعض حركات الإسلام السياسي المتطرفة، وجماعات الجهاد التكفيري العنفي.
قضية الإصلاح، ثم التجديد في المجال الديني، من مثل مراجعة مكونات وآليات ومناهج علوم الحديث والفقه، مضى عليها أكثر من قرن ونصف القرن، وهي تراوح مكانها. الأسباب واضحة. فهي أولاً اعتمدت في معظمها على جهود فردية، أو مؤسسية محددة النفوذ والسلطة. وهي ثانياً اعتمدت على سلطات دول، هي إما غير مقتنعة بضرورة الإصلاح، أو مكتفية بالاستعمال الانتهازي للدين في صراعات السياسة، أو في أحسن الأحوال قانعة بإصلاحات جزئية ترقيعية، مظهرية محدودة.
والنتيجة هي أن ذلك الإهمال الذي مارسته سلطات الدول للبدء بعملية إصلاح حقيقي، قائم على العلم والعقل ودروس التاريخ، ومبتعد عن مماحكات السياسة ونفعيتها، قد أدى إلى الوضع المأساوي الذي أمامنا:
عنف، وإرهاب، وتضليل، وملاسنات، وأكاذيب سمّمت المجال الديني، وأدخلته في تيه التعصّب، والجنون وانتهاكات حقوق الناس، وانتهازيات السياسة.
وعندما نضع اللوم الأكبر على الدولة العربية فلأنها الأقدر على القيام بعملية إصلاح شاملة. لكن ذلك لا يعفي الأحزاب السياسية الإسلامية الإصلاحية، ولا المرجعيات الدينية شبه المستقلة، ولا الجماعات الثقافية الإسلامية.
لا يسمح المجال للدخول في تفاصيل متطلبات هذه العملية الإصلاحية التي صدرت طوال القرن الماضي مئات المؤلفات الرصينة بشأنها. لكنها لن تثمر إصلاحاً حقيقياً وعميقاً إن لم تتوفر لها المتطلبات الآتية:
أولاً: إخراج منطوق الوحي الإلهي من قبضة التاريخ، ليعود إلى حالة طهارته، وبساطته، وتوجهه المباشر إلى النفس الإنسانية العاقلة المكلفة المستقلة عن ادعاءات الوساطات والإملاءات. إن ذلك سيتطلب بدوره وجود مراكز بحوث ودراسات في الإسلاميات، تضم إضافة إلى علماء الدين، علماء متخصصين في ميادين علوم التاريخ والاجتماع والنفس واللسانيات والطبيعيات، وغيرها. وهو ما سيجعل الدراسات الإسلامية تستعمل المناهج الحديثة، وتستفيد من منجزات علوم العصر.
ثانياً: معالجة كل أنواع الخلل في منظومة التعليم الديني التخصصي، ومنظومة التثقيف الديني المدرسي والجامعي، ومنظومة الإعلام الجماهيري الديني، ومنظومة الاجتهاد الديني، ومنظومة العمل السياسي الديني، وذلك كله من أجل هدف جعل مجال الدين ملكية تخص الأمة كلها، وعموم المجتمع، وتمنع الاستحواذ عليه من قبل فئة، أياً يكون مسماها، أو ممارسة بيعه وشرائه في عوالم السياسة والصراعات الأيديولوجية المختلفة.
ثالثاً: تنفيذ تلك العملية الإصلاحية من خلال مبادئ العدالة، والحرية المسؤولة، وتعايش الأفكار المتعددة، والاحتكام إلى القوانين، والمساواة بين المواطنين، لأن الدين يفسده المجتمع الفاسد.
إصلاح المجال الديني سيساهم إلى حدود كبيرة في تسهيل إصلاح مجالات السياسة والاجتماع والثقافة في وطن العرب المريض المأزوم المنهك.