أحدث الأخبار
  • 08:02 . الكشف عن تحويلات قادمة من الإمارات في واحدة من أكبر قضايا غسيل الأموال بكندا... المزيد
  • 01:13 . "الأرصاد": ارتفاع في درجات الحرارة والرطوبة خلال يوليو وتأثيرات جوية متقلبة... المزيد
  • 11:31 . اتفاقيات استراتيجية بين شركات سعودية وإندونيسية بـ27 مليار دولار... المزيد
  • 11:25 . محمد بن زايد ورئيس وزراء اليونان يبحثان التطورات الإقليمية وسبل تعزيز الأمن والسلام... المزيد
  • 11:23 . "الأوراق المالية" تحذر من التعامل مع شركات وهمية... المزيد
  • 11:21 . "التربية": لا استثناءات للسفر أو المرض المؤقت يمنحان الطالب حق أداء الاختبارات "عن بعد"... المزيد
  • 11:16 . تحقيق: متعاقدون أميركيون يطلقون النار ويستخدمون قنابل صوتية ضد فلسطينيين خلال توزيع مساعدات بغزة... المزيد
  • 11:09 . إعلام عبري: السعودية تدخلت لإسقاط مسيّرات وصواريخ إيرانية كانت في طريقها نحو "إسرائيل"... المزيد
  • 11:36 . الرئيس الإيراني يقر بدء تنفيذ قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية... المزيد
  • 11:34 . "رويترز": إيران استعدت لتلغيم مضيق هرمز أثناء الهجوم الإسرائيلي... المزيد
  • 11:31 . قرقاش: تواصلنا مع البرهان وحميدتي بطلب أممي لتفادي الحرب في السودان... المزيد
  • 11:22 . رئيس الدولة يجري مباحثات هاتفية مع رئيسي كوريا الجنوبية ونيجيريا لتعزيز التعاون الثنائي... المزيد
  • 11:00 . الاتحاد الأوروبي يعرض تسهيل استئناف المفاوضات النووية مع إيران... المزيد
  • 10:56 . أربع وفيات ومفقودون في انقلاب بارجة سعودية بخليج السويس... المزيد
  • 10:54 . فرنسا تسلم السنغال قاعدة عسكرية في إطار انسحاب قواتها من البلاد... المزيد
  • 07:14 . منظمة حقوقية: أحكام المؤبد الجديدة تجسد وحشية أبوظبي ضد معتقلي الرأي... المزيد

الخروج من حالة اللايقين والإنكارية العربية

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 28-09-2017

بعد الدمار العمراني والبشري الهائل الذي أصاب أوروبا جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية، دخلت المجتمعات الأوروبية في دوامتي اللايقين والإنكارية. فجأة ما عادت الثوابت الفكرية والسلوكية السابقة، منذ عهود النهضة والأنوار، قادرة على ملء حياة الإنسان الأوروبي بالهدوء والسلام الداخلي.
تمثلت قمة اللايقين والضياع والشعور باليأس والقنوط في الصعود المذهل لظاهرة الإنكارية، التي لا ترى وجود معنى أو قيمة لأي شيء في هذه الحياة، بما فيها الإيمان الديني والسلوكيات الأخلاقية والعلاقات والتنظيمات المدنية للمجتمعات. لقد أجمل الوضع قول أحدهم، بأنه عندما يفقد الناس ثقتهم في مثالياتهم فإنهم يهزمون قبل دخولهم المعركة.
ولذا ما كان مستغرباً ذلك الصعود المذهل، خصوصاً بين الشباب، لفلسفة الفرنسي جون بول سارتر الوجودية القائلة، بعدم وجود أي معنى للحياة، أو النجاح الكبير للكتابات. وروايات البير كامو الفرنسي الجزائري القائل، بأن الحياة ليست أكثر من عبث في عبث، أو الانتشار المكتسح لمسرح الكاتب المسرحي الإيرلندي صمويل بيكيت من مثل مسرحية «في انتظار جودو»، جودو الذي يعبر عن الأمل الذي يأتي ولا يأتي، أو كتابات كولن ويلسون البريطاني، وجماعة الثائرين من أمثاله الرافضة لفكرة الانتماء والداعين لحيوية الفرد المستقل القادر على شق طريقه في الحياة. وبالطبع لم يقف الأمر عند حدود الفلسفة والأدب، بل تعداه إلى حقول السينما وشتى فنون التعبير الأخرى.
مناسبة استرجاع ذاكرة تلك الحقبة، التي كانت مؤقتة وعابرة، هو التماثل مع تلك التجربة لما يجري في وطن العرب حالياً. فالدمار العمراني والبشري الذي طال العديد من الأقطار العربية الرئيسية، والانتكاسات التي أصابت محاولات الخروج من حياة الاستبداد والظلم التاريخية، قد بدأت تفعل مفعولها في الشباب العربي، وإدخاله في حالة الإنكارية واللايقين تجاه ثوابت الأمة الكبرى، تماماً كما فعلت الحربان العالميتان بالإنسان الأوروبي.
هناك شكوك وإنكار حول العديد من الثوابت الدينية، إن لم تكن كلها، وحالة إنكارية للثوابت العروبية القومية، مثل أهمية وضرورة الوحدة العربية في مواجهة الاستعمار والصهيونية، وهناك حالة مشاعر عبثية تجاه الخطر الأيديولوجي والسياسي والأمني الصهيوني في فلسطين المحتلة وفي خارجها، بل التجرؤ برفع أعلام كيانها، وهناك حالة إنهاك نفسية تجاه جدوى الفعل السياسي المنظم لمواجهة أعداء الخارج ومستبدي الداخل ومثيري الفتن التفتيتية الطائفية والقبلية والعنصرية.
يرافق ذلك الشعور اللايقيني اليائس العام صعود وانتشار لكتاب وفنانين وإعلاميين وفقهاء مذاهب ودجالي سياسة، يساهمون ليل نهار في نشر خطابات الإنكارية لكل الثوابت، وخطابات الاحتقار لكل منجزات التاريخ والنضالات التحررية الجماهيرية ولإمكانيات هذه الأمة في النهوض من حالة التخلف التي تعيشها.
في أوروبا ووجهت حالات الإنكارية الفوضية تلك بإعادة بناء المدن، وتفعيل ماكنة الاقتصاد، وتنظيم الحياة السياسية على أسس ديمقراطية، وبناء تدريجي لدولة الرفاهية الاجتماعية، وصعود لفكر متوازن معقول يصلح الثوابت الخاطئة، إن وجدت، ويؤكد الثوابت الصحيحة لإرجاع العافية للمجتمعات. لقد لعبت سلطات الدول ومؤسسات المجتمع المدني أدواراً مشهودة لتنفيذ كل ذلك، ورأينا على سبيل المثال، ذلك التفاهم العاقل في ما بين القوى الرأسمالية والنقابات العمالية للتخفيف من الاضطرابات الاجتماعية.
في بلاد العرب سنحتاج إلى أن نتعلم من ذلك الدرس الأوروبي، لنخرج من حالة اليباب والدمار التي تعيشها الأرض العربية، إلى حالة التوازن المطلوب لإعادة إعمار ما دمرته قوى الاستعمار والاستخبارات والصهيونية العالمية، وبعض الدول العربية والإقليمية وأدوات الجحيم الممنهج المتمثلة في جنون عنفي جهادي متخلف باسم دين الإسلام البريء من كل ذلك. لكن لنكن صادقين مع النفس، إذ لدينا عقبتان لم توجدا في المشهد الأوروبي. لدينا عقبة الأنظمة السياسية غير الديمقراطية، التي هي أيضاً تعيش حالة اللايقين والإنكار والعبثية السياسية والعجز البائس أمام تحديات المتكالبين على وطن العرب. لدينا أيضاً مجتمعاً مدنياً منهكاً ومليئاً بالعلل، جراء تهميشه التاريخي وقمعه الأمني المستمر عبر القرون. وهما عقبتان إن لم تحل معضلاتهما في القريب العاجل فإن حالة اللايقين والإنكارية التي أصابت أوروبا مؤقتاً، تلك الحالة ستصبح حالة مرضية دائمة عندنا قد تمتد عبر القرون المقبلة.
الأمة العربية تمر حالياً في حالة صعبة بالغة التعقيد، وعلى عقلاء الأمة أن يفعلوا شيئاً ويتقدموا الصفوف قبل فوات الأوان. هناك الكثير مما يستطيعون فعله، وأمامنا تجربة أوروبا على سبيل المثال، فلنتعلم من عبرها وحيويتها بإبداع عربي ذاتي.