أحدث الأخبار
  • 04:25 . الأبيض يواجه البحرين في آخر بروفة قبل الملحق الآسيوي المؤهل إلى المونديال... المزيد
  • 04:22 . "الإمارات للاتصالات" تعلن طرحاً ثانوياً بعد قرار "مبادلة" خفض حصتها... المزيد
  • 04:21 . عشرات الشهداء والجرحى بقصف مكثف على غزة وتدمير أكثر من 50 مبنى... المزيد
  • 04:15 . مقتل ستة إسرائيليين و15 مصابا في إطلاق نار بالقدس... المزيد
  • 04:09 . إسبانيا ستقر مشروع قانون لتطبيق حظر فعلي على الأسلحة ضد "إسرائيل"... المزيد
  • 11:32 . حماس: تلقينا أفكاراً أمريكية عبر الوسطاء لوقف إطلاق النار ومستعدون للتفاوض... المزيد
  • 11:28 . التربية تعتمد برمجة زمنية شاملة لتقييم الطلبة من رياض الأطفال حتى الصف الـ12... المزيد
  • 11:27 . الكويت تقر مذكرة للتعاون الاستخباراتي مع السعودية... المزيد
  • 11:57 . "سفينة الصمود الخليجية" تبحر من تونس نحو غزة الأربعاء... المزيد
  • 07:12 . جيش الاحتلال يعلن اعتراض ثلاث مسيّرات أطلقت من اليمن... المزيد
  • 12:27 . مستهلكون يشكون من عرض سلع وشيكة الانتهاء ضمن عروض التخفيضات... المزيد
  • 12:13 . الشرطة البريطانية تعتقل مئات المشاركين في احتجاج على حظر حركة "فلسطين أكشن"... المزيد
  • 12:00 . كيف تأثرت الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي بحملات المقاطعة؟... المزيد
  • 11:25 . المقيمون مقابل السكان المحليين.. صراع ثقافي متنامٍ في الإمارات تزيد حدته الشركات "الإسرائيلية"... المزيد
  • 12:54 . إيران: اتفاق وشيك مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية... المزيد
  • 07:15 . اتهمتها باستخدام أسلحة محظورة.. "أدلة" سودانية جديدة ضد أبوظبي أمام مجلس الأمن... المزيد

تغير السلوك في انتظار تغير الظروف

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 08-06-2018

في كل عام يكثر الحديث وتكثر الكتابات عما يحيط بشهر رمضان، من ممارسات وسلوكيات وأفهام خاطئة، لكن الأزمنة والقرون تتوالى من دون أي تغيير أو تعديل أو تجاوز في ممارسات وسلوكيات المجتمعات والبشر. يظل الزمن واقفا، وتستعصي العادات على المنطق وعلى دروس التقدم الحضاري.
يبدأ ذلك المشهد بالاختلاف حول بداية الشهر، أيعتمد على رؤية الهلال أم يستفاد من حسابات العلوم الفلكية المعتمدة على العلم ومنطق الحساب الصارم، ودقة أجهزة المراقبة من الأرض وخارج الأرض؟ ويتسابق الفقهاء في تحديد هذا اليوم أو ذاك وهم الذين أغلبيتهم الساحقة لا تعرف شيئا عن علوم الفلك البالغة التطور.
ثم يأتي فهم الإنسان المسلم العادي لموضوع الصيام برمته، أهو مناسبة هدوء روحي وصفاء نفس؟ أم هو مناسبة صخب فولكلوري في المطاعم والشوارع والمجالس حتى ساعات الصباح الباكرة؟ أهو تذكير للإنسان بما يفعله الجوع بالفقراء والمعوزين والأخوة في الإنسانية؟ أم هو مناسبة للتخمة والابتذال في التبذير وعدم إغلاق الفم طيلة الليل؟ أأمسيات هذا الشهر هي لاقتراب أكثر من خالق الكون، من خلال العبادة الواعية المستوعبة للمقاصد الإلهية من هذا الخلق، ومن خلال بناء الإرادة الواعية لتصحيح الضعف الإنساني وشهوات الجسد والنفس والعقل أم أنها أمسيات لرؤية مسلسلات تلفزيونية بالغة السوء في مستوياتها الثقافية والفنية الرفيعة، وللانبهار بسيل من الإعلانات الصاخبة الكاذبة المتلاعبة بالذوق وبالسلوك وبالذهن؟
ثم ماذا عن انتهازية تلاوة القرآن خلال رمضان بسرعات جنوبية، بدون فهم ولا تمعن، وليس قراءته بهدوء واستيعاب ووعي، ثم إهماله جانبا بقية السنة؟ أضف إلى ذلك الآلاف من الأسئلة التفصيلية العبثية التي يسألها الناس عما يخدش الصيام، بما يظهر إلى أي مدى تنقلب هذه المناسبة إلى مخاوف لا مبرر لها وإلى رعب متزمت متخلف.
وفي المحصلة يشعر الإنسان بأن الوعي الجمعي لمعاني وأهداف هذا الشهر في المجتمعات الإسلامية يبتره عن باقي الشهور. لكأن الشعور ببؤس الآخرين ومساعدة الجياع والقيام بالشعائر الدينية الحقة الصادقة ليس ضروريا للإنسان المسلم، إلا في شهر الصيام، وبعدها يعود الإنسان إلى حياته وممارساته وسلوكياته المعتادة. التعامل مع رمضان، الذي يعيد نفسه سنة بعد سنة وقرنا بعد قرن، هو مماثل للتعامل مع مواضيع السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة في بلاد العرب. إنه مغالبة لتطور الأزمنة وتبدل الظروف واكتشافات المعرفة والعلوم. نحن أمام ظاهرة متجذرة عصية، على الرغم من أن أسبابها الكثيرة قد درست باستفاضة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أن مكامن الخلل، أشير إليها في ألوف الكتب، وعلى الرغم من أن الحلول المعقولة قد اقترحت، بل أنها نجحت في كثير من المجتمعات الأخرى وأصبحت تجارب إنسانية ماثلة أمامنا.
لا يمكن أن يكون الخلل في الدين، فهو دين عقلاني، يرفض أن يبقى الناس على دين آبائهم من دون تفكر ومراجعة وتجديد، ويحث على إعمار الحياة وحمل المسؤولية نحو الأرض ومن عليها، ويثور على الظلم والاستغلال الأناني الجشع. لا يمكن أن يكون الخلل في العقل العربي، فقد أثبتت الدراسات الكثيرة أنه عقل نقدي وجدلي يمارس النظرة الشمولية، وله إرث فكري تاريخي يشهد على ذلك.
إذن فالقضية تكمن في مكان آخر: إنها تكمن في النشأة الأسرية، وفي التعليم المتخلف، وفي الاستبداد المدمر للشخصية السوية، وفي تكالب الإحن والمحن الخارجية على مقدراته وحريته وكرامته الإنسانية، وفي فقهاء الدين المتزمتين المتخلفين في قراءاتهم للنصوص الدينية، وفي الاقتصاد الريعي الذي جعل من الناس رعايا مقلدين بدلا من كونهم مواطنين أحرارا مستقلين وفاعلين. وحتى عندما ينجح الإنسان العربي في أن يثور على كل ذلك وينتقل إلى نظام جديد ليعيد له توازنه وشعوره بالكرامة وقدرته على الاستقلالية في الفكر، تتكالب عليه قوى الشر لتمنعه. وخير مثال هو ما حدث في تونس. فما أن نجح المواطنون في تونس في الخروج من أوضاعهم السيئة السابقة، حتى تكالب على مجتمعهم إرهابيون مرتبطون بالاستخبارات والمصالح الخارجية والداخلية ليدمروا السياحة ويطردوا الاستثمارات، ويمنعوا بالتالي النمو الاقتصادي في ذلك البلد. إنها حلقة في سلسلة من الحقارات والمؤامرات التي لا تريد للإنسان العربي أن يخرج من حالات التخلف الحضاري التي يعيشها.
يسأل الإنسان نفسه: هل هذا الإنسان العربي، الذي ما أن يخرج من محنة إلا ويدخل في محنة أخرى، سيكون لديه الوقت والجهد ليفكر في تعديل مسارات سلوكياته وعاداته، كما هو الحال بالنسبة لشهر رمضان؟ إن المجتمعات البشرية قد تغيرت، إما من خلال ثورات جذرية عاتية، أو من خلال سلام مجتمعي طويل الأمد.
بالنسبة للإنسان العربي لم تمر مجتمعاته في أي من الحالتين، ولذا يبقى واقفا متعبا أمام تحرك الأزمنة.