أكدت مجموعة موانئ دبي العالمية (دي بي ورلد) أن حكومة جيبوتي ما زالت تصر على "رواية زائفة" بشأن النزاع على محطة دوراليه للحاويات، رغم الأحكام الصادرة عن محاكم تحكيم دولية محايدة.
ففي حكمها الأخير، اعتبرت محكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA) أن استيلاء حكومة جيبوتي على المحطة عام 2018 كان غير قانوني، مؤكدة أن عقد الامتياز الموقع عام 2006 بين الطرفين، والممتد لخمسين عاماً، لا يزال ساري المفعول وملزماً.
وأوضحت المحكمة أن الأضرار الناجمة عن الاستيلاء تتحملها الحكومة بشكل مباشر، وليس شركة ميناء جيبوتي (PDSA) التابعة لها، وهو ما يعني أن المطالبات المالية التي تقدمت بها "دي بي ورلد" ضد الحكومة وشريكها الصيني "تشاينا ميرشانتس بورت القابضة" ما زالت قائمة، وتقدر بنحو مليار دولار أمريكي.
كما أن أحكام تحكيم سابقة قضت لصالح المجموعة الإماراتية بتعويضات تصل إلى 685 مليون دولار ضد حكومة جيبوتي، وهي أحكام ما تزال قابلة للتنفيذ، لكن الحكومة ترفض الامتثال لها.
"الرواية الجيبوتية مضللة"
في بيان رسمي، قال متحدث باسم مجموعة دبي إن "تصريحات الرئيس إسماعيل عمر جيله الأخيرة تتناقض مع الحقائق، وتتجاهل أحكاماً صادرة عن محاكم دولية مستقلة. استمرار الحكومة في هذه الادعاءات يقوض ثقة المستثمرين ويضر بسمعة جيبوتي على المدى الطويل".
وأضاف أن "المجموعة استثمرت بنجاح مليارات الدولارات في أفريقيا والعالم، وأسهمت في خلق فرص عمل وبناء بنية تحتية متطورة"، مشدداً على أن القضية لا تتعلق بـ"دي بي ورلد" وحدها، بل بـ"مدى التزام الحكومات بالعقود المُلزمة والقانون الدولي".
مبررات جيبوتي لإلغاء العقد
وكانت حكومة جيبوتي قد أقرت بإنهاء العقد، مشيرة إلى أن ملاحق الاتفاقية كانت "مجحفة" بحقها. وكشف مسؤولون جيبوتيون في تصريحات لوسائل إعلام أن العقد قيّد قدرة بلادهم على توسعة مباني الميناء أو إنشاء مبانٍ جديدة، فضلاً عن أن الإدارة المالية ظلت بيد مجموعة "موانئ جبل علي" التابعة لـ"دي بي ورلد".
كما اتهمت جيبوتي الشركة الإماراتية بتوزيع أرباح غير عادلة، حيث حصلت شخصيات بارزة، من بينها عبد الرحمن بوري المدير السابق للموانئ الجيبوتية والمقيم حالياً في الإمارات، وسلطان أحمد بن سليم رئيس مجلس إدارة "دي بي ورلد"، على نسب أرباح بلغت نحو 20% خارج القنوات الرسمية، ما دفع الحكومة الجيبوتية إلى رفع قضية لاسترداد حقوقها منذ عام 2012.
تصعيد سياسي واقتصادي
الأزمة لم تكن اقتصادية فقط، بل امتدت إلى توتر سياسي بين جيبوتي وأبوظبي. فقد رفضت جيبوتي طلباً إماراتياً بإنشاء قاعدة عسكرية لمتابعة التطورات في مدينة عدن اليمنية، وهو ما اعتبرته الإمارات تقويضاً لدورها الإقليمي.
وردت أبوظبي، بحسب مسؤولين جيبوتيين، بمحاولة تحجيم الميناء عبر دعم منافسين إقليميين، من خلال تقديم عروض مغرية لإثيوبيا للانتقال إلى استخدام موانئ أرض الصومال بدلاً من جيبوتي.
وبحسب مصادر جيبوتية، فإن مسؤولين من "دي بي ورلد" هددوا علناً خلال لقاء رسمي في دبي بأن الشركة "ستعيد ميناء جيبوتي كما كان عام 2005 مجرد مرسى بدائي"، وهو ما أثار غضب الحكومة ودفعها إلى اتخاذ خطوة إنهاء العقد من طرف واحد.
بُعد إقليمي للنزاع
وتشعر سلطات جيبوتي أن أبوظبي لم تكن تسعى فقط إلى استثمار اقتصادي، بل إلى أهداف سياسية واستخباراتية، من بينها دعم المعارضة الجيبوتية في الخارج.
كما أن دخول الإمارات بقوة على خط موانئ الصومال وإريتريا أثار مخاوف من محاولة إضعاف مكانة جيبوتي كمركز لوجستي رئيسي على البحر الأحمر.
أزمة أبعد من نزاع تجاري
وبينما ترى "دي بي ورلد" أن ما قامت به جيبوتي يشكل "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي" ويضر بثقة المستثمرين العالميين، تصر جيبوتي على أن العقد الأصلي كان يهدف إلى "خنق اقتصاد البلاد والتحكم في قرارها السيادي".
ويرى محللون أن النزاع لم يعد مجرد خلاف تجاري، بل أصبح جزءاً من معركة النفوذ بين الإمارات والصين في القرن الأفريقي، في ظل أهمية ميناء دوراليه الذي يشكل شرياناً استراتيجياً للتجارة الدولية، ويمثل ورقة ضغط جيوسياسية بالغة الحساسية في منطقة البحر الأحمر.
اقرأ أيضاً:
الرئيس الجيبوتي يشن هجوماً حاداً على أبوظبي