وفي أثناء ممارسة هذا الدور التنظيمي قد تقع إشكاليات إدارية تعقد من عملية تسكين كافة الموظفين بما يتماشى مع الوضع الجديد لأي هيئة أو مؤسسة في القطاعين العام والخاص، والأكثر ارباكاً في هذه الحالة من التسكين الضروري حدوث مفارقات صارخة في السلم الإداري والمالي لغالبية الموظفين الذين لا ذنب لهم في تلك العملية الظرفية إلا أنهم يذهبون ضحية سهلة ولقمة سائغة تذوب قسراً بين ثنايا القوانين المستمدة لتسيير دفة الأمور في جهة ما.وتخرج المشكلات إذا لم يكن الهدف من هذا التسكين منذ البداية واضحاً، وإلا فإن هذه العملية سوف تتحول إلى مجرد «تسكين» للألم وتخدير له لفترة وجيزة، ثم تتفاقم الإشكالية بصورة يصعب تداركها إلا بإعادة الهيكلة من جديد حتى يتم امتصاص الأخطاء الظاهرة التي وقعت فيها مؤسسة ما من جراء ذلك.
قد يزعم البعض بأن العدالة في هذه العملية الجراحية مستحيلة، فإن صدق هذا الزعم فلا مناص من الإنصاف للكوادر البشرية التي لا زالت بمثابة المحرك الرئيسي لدوران عجلة العمل سواء في الوزارات أو الهيئات على وجه العموم.
فأنظمة الموارد البشرية المستحدثة دورها المباشر هو إمساك العصا من الوسط وإلا فإن قائمة الاستثناءات هي التي ستدير المؤسسات بعد التضحية بالأمن الوظيفي للجميع بلا ضمانات ولا استثناءات.
إننا نمر في مرحلة مفصلية في جل العملية الإدارية في المجتمع، وأي تغيير في المنتصف لم يعد سر الأسرار في أي جهة وخاصة إذا مس وضع موظف كان في المراتب العليا من السلم الإداري، فإعادة الهيكلة أو الدمج والضم أردته إلى القاع أو إلى الالتحاق بقافلة التقاعد المبكر والتي تشتكي منها الهيئات المختصة بذلك.
في الوقت الذي نشكو فيه من ندرة العناصر البشرية المواطنة التي يتعطش الوطن إيها، يقع مثل هذا الخلل الواضح تطول قائمة الاستغناءات بمبررات واهية في الغالب الأعم. فالدولة ممثلة في كافة قياداتها الرشيدة تحث على التحفيز والتشجيع لاصطياد أفضل ما يحتوي عليه مجتمع الإمارات من موارد بشرية فائقة الكفاءة للدخول إلى مرحلة التمكن من مقدرات البلد في كل مجالاته.
وهذا الاهتمام السيادي للعناصر الوطنية لا نجد له صدى في بنود القوانين التي تستحدث بين فترة وأخرى لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة وهو أمر لا مفر منه وإلا أصيبت المؤسسات والهيئات بالجمود بدل الحراك الإداري الشامل وهو ما يحدث في جميع المجتمعات المتطورة والمتقدمة.
فما يحدث في الوقت الراهن في بعض أروقة القطاع العام والخاص أقرب إلى العقاب غير المباشر لمن بذل كل ما يستطيع خدمة للوطن أولاً والجهة المعنية ثانياً. لذا، فما معنى أن يبقى موظف ليس في تقاريره خدش يذكر في نفس الوظيفة لعقود طويلة دون أن ينال زيادة دورية في راتبه أو ترقية واحدة طوال عمره الوظيفي إلا بأمر سيادي وليس من خلال النظام الإداري الذي «سجن» الموظف «المسكين» في زنزانة انفرادية طوال عمره الوظيفي الحقيقي وليس الافتراضي، إلى درجة أن أحدهم ذكر بأن ابنه عيّن حديثاً في نفس الدرجة التي عيّن عليها عندما كان في مثل عمره، فمن بيده حل هذه المعضلة الإدارية التي لا علاقة لها بالدرهم والدينار.