قراءة كتاب «سكوت ل. مونتجمري» المعنون بـ «هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية» الذي تحدثنا عنه في الأسبوع الماضي، وما جاء فيه من طروحات فكرية وتساؤلات عديدة وملاحظات مهمة حول وضع اللغة الإنجليزية كلغة عالمية وتوقعاته حول مسألة أفول شمس هذه اللغة في المستقبل يقودنا فوراً إلى الحديث عن دور اللغة العربية والرؤية التي ترشحها لأن تستعيد مكانتها التاريخية عندما وصلت إلى مساحات واسعة من العالم بوصفها لغة القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، بل والأهم بوصفها لغة «القوة الناعمة»، وأعني بذلك القوة التي تحمل في داخلها حضارة الأمة الإسلامية وتراثها الفكري والمعارف والعلوم العالمية، ولم تعجز عن استيعاب منتجات الحضارات المختلفة، وأن تعمل على نقل معارفها ومنتجاتها إلى حضارات الشعوب الأخرى.
إذاً فاللغة العربية هي الأقرب لأن تكون اللغة العالمية القادمة، لأنها حسب غالبية أهل اللغة تملك كل الأسس والمكونات والمقومات والإمكانات والتجارب التاريخية التي تأهلها لمثل هذا الدور والدراسات اللغوية تأكد مثل هذه الحقيقة، حيث تقول ليس هناك لغة حية أقدر من غيرها على التعبير عن أي منتج من المنتجات المادية أو الفكرية ما دامت تلك المنتجات حاصلة في إطار المنظومة الحضارية الناطقة بتلك اللغة.لغتنا العربية قادرة على تحقيق مثل هذه المعادلة، أي أن تقوم بما قامت به اللغة الإنجليزية في مجالات العلم والتقنية والهندسة والرياضيات، قادرة على تقديم دورها العالمي في هذا المجال خصوصاً في ميدان العلم، وهناك حقائق وتجارب تاريخية وحضارية عظيمة تأكد لنا مثل هذه الحقيقة. وبما أن اللغة هي أداة إنتاج، فإننا كلما عملنا كعلماء كل في مجاله ومختصين وخبراء وأفراد ومؤسسات وحكومات على إصلاح الواقع الذي تعيشه اللغة العربية اليوم، والذي تحدثت عنه غالبية الدراسات اللغوية، ودعمنا مثل هذا الجهد بالمال والوسائل اللازمة لخدمة مثل هذا الهدف، كلما عملنا على أن تكون لغتنا العربية أكثر قوة وأكثر رغبة من شعوب الأرض المختلفة في الإقبال على تعلمها وتعليمها وأكثر انتشاراً وقدرة على استيعاب العلوم المختلفة والهيمنة على المطبوعات العلمية، وأن تكون اللغة الرئيسية للمنظمات الدولية ووسائل الإعلام والتجارة والسياحة والرمز السياسي الذي نلتف حوله. وأن تحول جوهر الخصائص الكامن في هذه اللغة ومخزون القوة الروحية والفكرية والإبداعية التي تتميز بها هذه اللغة إلى أداة لانتشارها في العالم كـ«قوة ناعمة» كلما جعلنا لغتنا العربية ذات قوة ومكانة بارزة بين لغات العالم المختلفة، وأيضاً ذات موارد اقتصادية ضخمة للأمة العربية الإسلامية، فاللغة صناعة، والصناعة اللغوية هو أن نعمل في ظل المنطق العام للعقلية الاقتصادية، لأن التسمية اللغوية هي جزء من التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأمة، التي تنشد النهوض والتقدم ونحن عندما نهتم بلغتنا العربية، وندعو إلى العمل من أجل رفعتها والنهوض بها لتصبح عالمية، فالهدف أن ندخل بها سوق المنافسة الحضارية.
ونحن أمة الأكثر من مليار مسلم أصحاب قوّة حقيقية، لأننا نقرأ بلغة القرآن الكريم. ووظيفة اللغة العربية هي في الأساس وظيفة كونية أرادها الله جل جلاله أن تحمل رسالته السماوية الخاتمة والتي تمثلت في القرآن الكريم.