ارتكب زعيم ميلشيا حزب الله –حسن نصر الله –حماقة كبرى جديدة، حين أيد ودعم وهلل بكل قوة إعلامية وسياسية للتدخل والاحتلال الروسي لسوريا وحين أصبحت مجموعاته العسكرية تقاتل- أو بالأحرى تقتل- الشعب السوري تحت حماية الطيران الروسي، وكذا حين بات واضحا انضمامه إلى الحلف العسكري الذي شكلته روسيا في المنطقة وضم إيران وميلشياتها – وعلى رأسها ميلشيا حزب الله-والحكومتين الطائفيتين في العراق وسوريا. ارتكب نصر الله واحدا من أخطر أخطائه – التي باتت تترى وكان الرجل وحزبه وميلشياته قد دخل في دورة انتحار الكيانات والكائنات - إذ انغمس قاذفا بكل قوته فيما هو تكتيكي على حساب ما هو استراتيجي، والقصد هنا أنه ارتكب جريمة على صعيد مصلحته، وهو ما أظهر عمق ما يعانيه حاليا من حالة ضعف وهزيمة وانكسار في سوريا.
لقد وضع نصر الله نفسه وحزبه تحت الوصاية الدولية بتلك الموافقة على التدخل والاحتلال الروسي لسوريا، كما سجل سابقة تأييد احتلال بلد عربي. وهو حول نفسه لمجرد ورقة من أوراق روسيا في لعبتها الدولية الكبرى، سواء في مفاوضاتها أو في مساوماتها مع الغرب حول أوضاع المنطقة وإعادة ترتيبها، فضلا عما أصابه من هذا الموقف من انكشاف جديد، ومباشر هذه المرة، على صعيد العلاقات مع إسرائيل، إذ هو ظهر داعيا ومؤيدا لتدخل روسيا بقوتها العسكرية، وقد جاء على خلفية تفاوض ومساومات واتفاقات بينها وإسرائيل عبر زيارة نتنياهو لموسكو، ومن خلال زيارة الوفد العسكري الروسي لإسرائيل- لترتيب العلاقات بين محتلي سوريا وفلسطين- إذ لاشك أن نصر الله بات الآن في طرف المحتلين للأرض العربية. والورطة التي سيواجهها نصر الله من بعد، ستظهر بشكل جلي وبلا مواربة، حين يدفع الروس دميتهم بشار إلى مفاوضات مع إسرائيل، بهدف خلط أوراق الحالة الجارية ولتغيير قواعد اللعبة الإقليمية، إذ لاشك أن روسيا ستلعب بهذه الورقة حين يحين أوان التسويات.
سيجد نصر الله نفسه في أشد الورطات حرجا في تاريخه بما سيفقده ما تبقى له من شعبية داخل طائفته، خاصة حين يجد نفسه وقد تحول إلى متعاون مع إسرائيل، وبوجوده كطرف في حوار وتعاون عسكري – شاء أم لم يشأ – بين روسيا وإسرائيل. وحين يجد نفسه مطالبا بتغيير سلوكه ليصبح على مقاس التعاون الروسي الإسرائيلي من جهة، والتعاون الأمريكي الإيراني من جهة أخرى. وحين يجد نفسه طرفا في لعبة التفاوض بين بشار وإسرائيل. وتلك وضعية سيتصاعد الانغماس فيها مع حسم التحالف العربي للمعركة في اليمن ليتحول للتركيز على سوريا، بما سيضيق خيارات نصر الله في الحركة وسيدفعه للولوج في إعلان مواقف انقلابية على مواقفه الإعلامية السابقة.
والمعنى أن أسطورة نصر الله التي تبددت بظهور مدى ارتباطه بالمخططات الإيرانية وبفعل تحوله إلى قوة احتلال في سوريا وعدائه وقتله لأبناء سوريا الثائرين ضد الطاغية بشار، ستنتهي تماما ليس في الإقليم فقط، بل على صعيد شعبيته وسط طائفته في لبنان.
وهكذا، ووفق كل المعطيات لن ينقذ نصر الله نفسه باندفاعته تأييدا ودعما للاحتلال الروسي لسوريا، أو أن روسيا لن تنقذ نصر الله من ورطته، بل هي ستدفعه للقاع. وغدا سنرى حسن نصر الله في خطاب مزايدة جديد على القضية الفلسطينية، وبقدر ما سيسمع الناس من مزايدات بشأن الانتفاضة والأقصى، بقدر ما يكون نصر الله قد بدأ يشعر بعمق القاع الذي يهوى إليه. فكما حاول نصر الله التغطية على إيغاله في دماء الشعب السوري بالحديث الأجوف عن أن الطريق إلى القدس يمر عبر إدلب وحلب والزبداني، فغدا قد يخرج ليطلق مزادا آخر، وربما يقول إن تأييده للدور العسكري الروسي ضد ثوار سوريا، هو من أجل القدس والأقصى والانتفاضة.