لقد تجاوزت إسرائيل كل الحدود بإمعانها في سياسة الإغلاق والحصار والتجويع والاجتياح والقصف والاعتقال والتدمير والقتل.. وباتت تدفع بالمجانين والسكارى والمنفلتين من كل الضوابط الإنسانية والأخلاقية والنفسية والعقلية، من المستوطنين الذين تم «تفخيخ عقولهم»، لممارسة كل أنواع التوحش الصهيوني التي تدربوا عليها منذ أن تكوّن هذا الكيان في المنطقة، ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يرزح تحت نار الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من ستين سنة، وجعلتهم يسفكون دماء هذا الشعب بالقوّة التدميرية التي اخترعها العقل الصهيوني. إنها ممارسات فاقت في وحشيتها كل ما تفعله عصابة «داعش» الإرهابية، لأنها إرهاب دولة!وقد عبّر عن تلك الصورة وعرّاها بمهارة جيدة الكاتب الإسرائيلي «جدعون ليفي» في مقالة «الموت للعرب» («هآرتس»/ 11 - 10 - 2015) عندما قال: «عملية الإعدامات دون محاكمة تملأ البلاد وتحظى بالتصفيق من الجمهور الإسرائيلي وبالتشجيع من السلطة والمجتمع. فالإسرائيلي يفقد إحساسه الإنساني، حيث إن كل من يطعن أو يهدد بالسكين أو المفك أو المقلاع يتم قتله حتى بعد أن يرمي سلاحه، أما القاتل فيتحول إلى بطل قومي. والتعطش غير المسبوق لإراقة الدماء يتطلب المزيد والمزيد». ويضيف ليفي: «هذا هو التحريض الحقيقي. الكبار والصغار يرون كيف يطلق أولئك الإسرائيليون النار على العرب مثل الكلاب الضالة، ومع ذلك يرددون الدروس والمواعظ الإنسانية على الفلسطينيين الذين باتت حياتهم وموتهم مثل قشرة الثوم بالنسبة للإسرائيليين».
هكذا إذن سقطت كل المبررات التي يسوقها البعض للحوار مع كيان متوحش مثل إسرائيل، وسقطت معها الكثير من طروحات «السلام»، ولم يبقَ غير لغة الحزم والتصميم، لأن الأمر يتعلق بكيان لا يعرف في قاموسه السياسي غير لغة القوّة، فالقوّة هي لغته في الحوار والسلام، وهي اللغة الوحيدة لديه حيال من يتحدى غطرسته وسياسته الاحتلالية، ومن خلالها يحاول تحطيم الروح المعنوية للشعب الفلسطيني.
الفلسطينيون اليوم يخوضون معركتهم وحيدين يتحدون أعنف استعمار عرفه التاريخ والشارع الفلسطيني يئس من كثرة الوعود والأكاذيب الصهيونية الصريحة والمركبة والملتوية تحت غطاء السلام. وقد قالها الكاتب الإسرائيلي «يرون لندن» بوضوح في مقاله «اختلاق الواقع» («يديعوت أحرونوت»/ 13 - 10 - 2015): «أتمنى لمؤرخ الثقافة الإسرائيلية أن يكتب عن تطور ثقافة الأكاذيب، وعليه حينئذٍ أن يروي كيف أن الكذب والتضليل يمثلان ضرورة لا مفر منها من أجل أمننا، بل أصبح لدى الصهاينة ذلك نمط سلوك دائم». ولعلّ إسحاق شامير، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، كان أكثر صراحة عندما قال: «من أجل بلاد إسرائيل مسموح بالكذب».
الشعب الفلسطيني فقد الأمل في تبدل هذا الواقع المر الذي يعيشه منذ أكثر من ستين عاماً، حيث جرب المهادنة، وجرب التهدئة، وجرب السلام.. وفشل كل ذلك ولم يبق أمامه سوى خيار أخير، هو الحزم والتصميم والانتفاضة على نار الاستعمار الصهيوني الذي يحتل القدس الشريف ويريد هدم المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.