أحدث الأخبار
  • 12:36 . الصحة الإيرانية: مقتل 700 مدني في الحرب مع "إسرائيل"... المزيد
  • 12:33 . الإمارات ضمن أكبر عشرة شركاء تجاريين للاتحاد الأوراسي عالميا... المزيد
  • 12:32 . "بلومبيرغ": الإمارات تمد نفوذها في محيط السودان بشبكة دعم لوجستي... المزيد
  • 12:29 . دمشق تنفي لقاء الشرع مسؤولين إسرائيليين في أبوظبي... المزيد
  • 12:02 . "التربية" تحدد ضوابط استرجاع الرسوم الدراسية عند انتقال الطالب من مدرسة خاصة... المزيد
  • 12:02 . "الإمارات للدواء" تعتمد أول علاج فموي عالمي لاضطراب نقص الصفيحات المناعي... المزيد
  • 12:01 . المبعوث الأمريكي يتحدث عن بقاء نقطة خلافية واحدة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 12:00 . ماكرون يدعو لإنهاء الاعتماد الأوروبي على أميركا والصين... المزيد
  • 11:59 . ولي العهد السعودي يبحث مع عراقجي أمن المنطقة والملف النووي الإيراني... المزيد
  • 05:56 . الإعلان عن مقتل وإصابة أربعة في الهجوم على سفينة يونانية بالبحر الأحمر... المزيد
  • 01:00 . بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري لأبوظبي.. رسائل تضامن من نشطاء سوريين إلى معتقلي الرأي الإماراتيين... المزيد
  • 11:41 . الإمارات تعلن إنقاذ طاقم سفينة بريطانية استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر... المزيد
  • 11:32 . خلال قمة بريكس.. وزير الخارجية السعودي يدعو لتحقيق سلام دائم في غزة... المزيد
  • 11:29 . أبو عبيدة يتوعد الاحتلال: معركة الاستنزاف مستمرة وخسائر يومية بانتظاره في غزة... المزيد
  • 11:25 . حصيلة ضحايا فيضانات تكساس ترتفع إلى 104 والمفقودون بالعشرات معظمهم أطفال... المزيد
  • 11:11 . ‌‏جيش الاحتلال يعلن مقتل خمسة جنود وإصابة 14 شمال قطاع غزة... المزيد

عندما يخنق التاريخ الحاضر والمستقبل

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 11-11-2015

ما عاد تاريخ الأمة العربية موضوعاً أكاديمياً في الأساس كما كان سابقاً، وما عاد سرداً ودراسة لأحداث ماضي هذه الأمة. وإنما أصبحت أجزاء منه ترسم ملامح الحاضر وتهيمن على أحداثه وأفكاره وسلوكياته وقيمه، أي تخطُت تلك الأجزاء الزًمن الماضي لتصبح هي الحاضر.
لسنا معنيين بتعريفات التاريخ الكثيرة، ولا بالأهداف المتعددة المتباينة من وراء دراسة التاريخ، وهي نقاط كتبت عنها أعداد كبيرة من الكتب، وإنما تهمُنا تلك العلاقة المريضة العبثية بين حاضر الأمة العربية وتاريخها. دعنا نسرد أمثلة مزعجة خطرة ما عاد بالإمكان تجاهلها. لقد أصبح تسليط الضوء عليها ونقدها أمراً ضرورياً، من أجل المساهمة في احتواء الصراعات والخلافات المفزعة التي تعصف حالياً بمجتمعاتنا العربية المعاصرة.
هل يعقل أن تنشغل أمة في حاضرها بخلاف سياسي وقع منذ خمسة عشر قرناً حول من يخلف النبي محمد (ص) بعد مماته لإدارة شؤون الدولة الوليدة؟ لقد مات كل من كان معنيا بذلك الموضوع، ومات معهم الموضوع نفسه، وأصبح الخلاف حول الأحقية الشرعية للخلافة الإسلامية، أتكون في نسل آل البيت أم في أفراد قبيلة قريش أم في غيرهم؟ خلافاً لا أهمية له في العصر العربي الحاضر، الذي يتطلع لأن يكون ديمقراطياً، وبالتالي لا يعطي أهمية إلا للمواطنة المتساوية ولاغير المواطنة، ويرفض أي شرعية للحكم أياً كانت تسمياتها ما لم تقم على أسس ديمقراطية وبقبول صريح من المحكومين. لكن تلك الطريقة العقلانية البديهية في قراءة التاريخ تظل معزولة ومقموعة ليحل محلها صخب وتراشق طفولي وتشويه متعمد وكذب وافتراءات يقرأها ويسمعها أو يراها الإنسان يومياً في ساحات المساجد والمآتم، وكل أنواع الإعلام، وعلى الأخص الفضائيات الموتورة، والجامعات والمدارس، بل الساحات والشوارع.
ينطبق الأمر على أحداث مأساوية تاريخية كثيرة من اغتصاب للملك، إلى قتل للمعارضين واجتثاث لنسلهم، إلى اعتداءات على مكة والكعبة وقبور الموتى، إلى ادعاءات بتفويضات من الًله ، إلخ… من أحداث وخطابات مخجلة بربرية. لكنها جميعاً لا تقرأ كأحداث مضت، يستفاد منها لأخذ العبر ولتجنب العوامل والأسباب التي قادت إليها، وإنما كأحداث تجري محاولات دؤوبة لبث الحياة والحيوية فيها، ليصار لاستعمالها في صراعات سياسية انتهازية يومية تقضي على وحدة المجتمعات وتعايش، مكوناتها، كل مكوناتها، في انسجام وتسامح وتكافل وسلام.
لنأخذ موضوع تاريخ الفقه الإسلامي. لقد كان ثمرة قراءات واجتهادات بشرية بحتة. وكان جزء كبير منه انعكاسا لقضايا عصره الفكرية والمعيشية غير المعقدة، والصراعات السياسية، ومحدودية علوم ذلك العصر، وانتهازية بعض فقهاء السلاطين وضعف الورع الديني لدى بعض الخلفاء.
لكن كل تلك الصور والانعكاسات التاريخية لاتزال معنا وتستعمل كل تفاصيلها الفقهية، بما فيها كل نقاط ضعفها، في إثارة الصراع الطائفي المجنون عبر كل بلاد العرب وكل بلاد الإسلام، وفي تغذية البربرية الجهادية التكفيرية وتبرير همجيتها، وفي صرف أذهان الأمتين العربية والإسلامية عن الخطر الصهيوني الاستعماري الاستيطاني لتنشغل بمعاداة هذه الدولة العربية أو الإسلامية أو تلك.
تلك أمثلة قليلة من طوفان كبير لهيمنة التاريخ على الحاضر، وقد يمتدُ لينهك المستقبل. ما الذي ينبغي فعله لمواجهة هذه الظاهرة العربية غير الطبيعية، التي تكاد أن تكون فريدة زمانها في عالمنا الحالي؟
أولا – من المعروف أن كتابة تاريخ الحدث نفسه من قبل عالمي تاريخ أو أكثر ستختلف في تفاصيل السرد وفي فهم الحدث، وفي الخروج باستنتاجات، ذلك أن كتابة التاريخ من قبل المؤرخ لا يمكن إلاً أن تتأثر بقناعاته الشخصية وبارتباطاته الاجتماعية والسياسية وبإيديولوجية مدرسة التاريخ التي ينتمي إليها. ولقد جرت من قبل محاولات رسمية حكومية لتكوين مجموعات من المؤرخين لمراجعة التاريخ العربي وكتابته من جديد (على سبيل المثال فقط محاولة الحكم العراقي قبل الاحتلال الأمريكي). لكنً المحاولات لم تكلل بالنجاح المطلوب وبالمهنية الضرورية، بسبب المواقف الرسمية من كتابة التاريخ السياسي بحياد وشفافية. ولعل الأقرب إلى المعقول أن تكلف المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة فريقاً من علماء التاريخ العرب، ممن يعرف عن نزاهتهم وكتاباتهم المهنية الرفيعة، للتفرغ لبضع سنين لكتابة تاريخ موحد للأمة العربية يمتاز بالتحليل الموضوعي والابتعاد عن الانحيازات القبلية والطائفية والعرقية.
المهم في الموضوع كله هو توفُر روح الفريق والمهنية والحياد وتلافي بعض نقاط ضعف المحاولات الفردية السابقة المقدرة الكثيرة من قبل أعلام المؤرخين والمفكرين العرب الكبار. إذا لم يكن بإمكان المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة إنجاز ذلك، بسبب بخل الحكومات أو مخاوفها المرضية، فانه آن الأوان أن تنبري مجموعة من أغنياء العرب المستنيرين بتكوين وقفية لقيام مؤسسة أهليُة مستقلُة تعمل على إنجاز تلك المهمة.
ثالثا ـ إذا تم ذلك الإنجاز مطلوب أن تعمل الجامعة العربية، وبالتنسيق الكامل مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، لإقناع جهات القرار العربية بتبني أن يكون ذلك التاريخ هو المرجع الأساسي لكتب التاريخ المدرسية والجامعية والبحثية الأكاديمية.
في هذا الوطن العربي، الذي تنتشر في أرجائه بلادات القراءات النفعية الانتهازية لتاريخ امته، لتساهم في نشر الموت والدُمار والعفن الفكري والسياسي والديني، نحتاج أن نواجه موضوع التاريخ بشجاعة وإرادة رسمية مجتمعية قوية تحررية، وذلك قبل أن تخنق أحداث التاريخ الماضية انفاس الحاضر والمستقبل.