أحدث الأخبار
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد
  • 05:00 . السودان يتهم أبوظبي بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بعد إبعاد موظفين قنصليين من دبي... المزيد
  • 11:44 . سوريا تُطلق هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمحاسبة جرائم نظام الأسد... المزيد
  • 11:43 . إحباط محاولة تهريب 89 كبسولة كوكايين داخل أحشاء مسافر في مطار زايد الدولي... المزيد
  • 11:29 . السفارة الأمريكية في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل فلسطينيين إلى ليبيا... المزيد
  • 11:28 . السعودية تؤكد ضرورة وقف النار في غزة وأهمية دعم استقرار سوريا... المزيد
  • 11:26 . جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن... المزيد
  • 10:45 . الدوحة تستضيف جولة جديدة من محادثات الهدنة بين حماس والاحتلال... المزيد
  • 08:32 . "قمة بغداد" تحث المجتمع الدولي على الضغط لوقف الحرب على غزة... المزيد
  • 06:35 . "معرفة دبي" تعلق عمليات التقييم والرقابة بالمدارس الخاصة للعام الدراسي القادم... المزيد
  • 12:26 . الاتحاد الأوروبي يبحث مواصلة تعليق عقوبات على سوريا... المزيد
  • 12:19 . الجابر لترامب: الإمارات سترفع استثمارات الطاقة بأميركا إلى 440 مليار دولار بحلول 2035... المزيد
  • 11:12 . نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات إلى القمة العربية في العراق... المزيد
  • 11:09 . سبع دول أوروبية تطالب الاحتلال بوقف حرب الإبادة في غزة وإنهاء الحصار.. وحماس تشيد... المزيد
  • 11:05 . إصابة شرطي إسرائيلي في عملية طعن بالقدس المحتلة... المزيد
  • 11:03 . حاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" تغادر الشرق الأوسط بعد الاتفاق مع الحوثيين... المزيد

عندما يخنق التاريخ الحاضر والمستقبل

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 11-11-2015

ما عاد تاريخ الأمة العربية موضوعاً أكاديمياً في الأساس كما كان سابقاً، وما عاد سرداً ودراسة لأحداث ماضي هذه الأمة. وإنما أصبحت أجزاء منه ترسم ملامح الحاضر وتهيمن على أحداثه وأفكاره وسلوكياته وقيمه، أي تخطُت تلك الأجزاء الزًمن الماضي لتصبح هي الحاضر.
لسنا معنيين بتعريفات التاريخ الكثيرة، ولا بالأهداف المتعددة المتباينة من وراء دراسة التاريخ، وهي نقاط كتبت عنها أعداد كبيرة من الكتب، وإنما تهمُنا تلك العلاقة المريضة العبثية بين حاضر الأمة العربية وتاريخها. دعنا نسرد أمثلة مزعجة خطرة ما عاد بالإمكان تجاهلها. لقد أصبح تسليط الضوء عليها ونقدها أمراً ضرورياً، من أجل المساهمة في احتواء الصراعات والخلافات المفزعة التي تعصف حالياً بمجتمعاتنا العربية المعاصرة.
هل يعقل أن تنشغل أمة في حاضرها بخلاف سياسي وقع منذ خمسة عشر قرناً حول من يخلف النبي محمد (ص) بعد مماته لإدارة شؤون الدولة الوليدة؟ لقد مات كل من كان معنيا بذلك الموضوع، ومات معهم الموضوع نفسه، وأصبح الخلاف حول الأحقية الشرعية للخلافة الإسلامية، أتكون في نسل آل البيت أم في أفراد قبيلة قريش أم في غيرهم؟ خلافاً لا أهمية له في العصر العربي الحاضر، الذي يتطلع لأن يكون ديمقراطياً، وبالتالي لا يعطي أهمية إلا للمواطنة المتساوية ولاغير المواطنة، ويرفض أي شرعية للحكم أياً كانت تسمياتها ما لم تقم على أسس ديمقراطية وبقبول صريح من المحكومين. لكن تلك الطريقة العقلانية البديهية في قراءة التاريخ تظل معزولة ومقموعة ليحل محلها صخب وتراشق طفولي وتشويه متعمد وكذب وافتراءات يقرأها ويسمعها أو يراها الإنسان يومياً في ساحات المساجد والمآتم، وكل أنواع الإعلام، وعلى الأخص الفضائيات الموتورة، والجامعات والمدارس، بل الساحات والشوارع.
ينطبق الأمر على أحداث مأساوية تاريخية كثيرة من اغتصاب للملك، إلى قتل للمعارضين واجتثاث لنسلهم، إلى اعتداءات على مكة والكعبة وقبور الموتى، إلى ادعاءات بتفويضات من الًله ، إلخ… من أحداث وخطابات مخجلة بربرية. لكنها جميعاً لا تقرأ كأحداث مضت، يستفاد منها لأخذ العبر ولتجنب العوامل والأسباب التي قادت إليها، وإنما كأحداث تجري محاولات دؤوبة لبث الحياة والحيوية فيها، ليصار لاستعمالها في صراعات سياسية انتهازية يومية تقضي على وحدة المجتمعات وتعايش، مكوناتها، كل مكوناتها، في انسجام وتسامح وتكافل وسلام.
لنأخذ موضوع تاريخ الفقه الإسلامي. لقد كان ثمرة قراءات واجتهادات بشرية بحتة. وكان جزء كبير منه انعكاسا لقضايا عصره الفكرية والمعيشية غير المعقدة، والصراعات السياسية، ومحدودية علوم ذلك العصر، وانتهازية بعض فقهاء السلاطين وضعف الورع الديني لدى بعض الخلفاء.
لكن كل تلك الصور والانعكاسات التاريخية لاتزال معنا وتستعمل كل تفاصيلها الفقهية، بما فيها كل نقاط ضعفها، في إثارة الصراع الطائفي المجنون عبر كل بلاد العرب وكل بلاد الإسلام، وفي تغذية البربرية الجهادية التكفيرية وتبرير همجيتها، وفي صرف أذهان الأمتين العربية والإسلامية عن الخطر الصهيوني الاستعماري الاستيطاني لتنشغل بمعاداة هذه الدولة العربية أو الإسلامية أو تلك.
تلك أمثلة قليلة من طوفان كبير لهيمنة التاريخ على الحاضر، وقد يمتدُ لينهك المستقبل. ما الذي ينبغي فعله لمواجهة هذه الظاهرة العربية غير الطبيعية، التي تكاد أن تكون فريدة زمانها في عالمنا الحالي؟
أولا – من المعروف أن كتابة تاريخ الحدث نفسه من قبل عالمي تاريخ أو أكثر ستختلف في تفاصيل السرد وفي فهم الحدث، وفي الخروج باستنتاجات، ذلك أن كتابة التاريخ من قبل المؤرخ لا يمكن إلاً أن تتأثر بقناعاته الشخصية وبارتباطاته الاجتماعية والسياسية وبإيديولوجية مدرسة التاريخ التي ينتمي إليها. ولقد جرت من قبل محاولات رسمية حكومية لتكوين مجموعات من المؤرخين لمراجعة التاريخ العربي وكتابته من جديد (على سبيل المثال فقط محاولة الحكم العراقي قبل الاحتلال الأمريكي). لكنً المحاولات لم تكلل بالنجاح المطلوب وبالمهنية الضرورية، بسبب المواقف الرسمية من كتابة التاريخ السياسي بحياد وشفافية. ولعل الأقرب إلى المعقول أن تكلف المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة فريقاً من علماء التاريخ العرب، ممن يعرف عن نزاهتهم وكتاباتهم المهنية الرفيعة، للتفرغ لبضع سنين لكتابة تاريخ موحد للأمة العربية يمتاز بالتحليل الموضوعي والابتعاد عن الانحيازات القبلية والطائفية والعرقية.
المهم في الموضوع كله هو توفُر روح الفريق والمهنية والحياد وتلافي بعض نقاط ضعف المحاولات الفردية السابقة المقدرة الكثيرة من قبل أعلام المؤرخين والمفكرين العرب الكبار. إذا لم يكن بإمكان المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة إنجاز ذلك، بسبب بخل الحكومات أو مخاوفها المرضية، فانه آن الأوان أن تنبري مجموعة من أغنياء العرب المستنيرين بتكوين وقفية لقيام مؤسسة أهليُة مستقلُة تعمل على إنجاز تلك المهمة.
ثالثا ـ إذا تم ذلك الإنجاز مطلوب أن تعمل الجامعة العربية، وبالتنسيق الكامل مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، لإقناع جهات القرار العربية بتبني أن يكون ذلك التاريخ هو المرجع الأساسي لكتب التاريخ المدرسية والجامعية والبحثية الأكاديمية.
في هذا الوطن العربي، الذي تنتشر في أرجائه بلادات القراءات النفعية الانتهازية لتاريخ امته، لتساهم في نشر الموت والدُمار والعفن الفكري والسياسي والديني، نحتاج أن نواجه موضوع التاريخ بشجاعة وإرادة رسمية مجتمعية قوية تحررية، وذلك قبل أن تخنق أحداث التاريخ الماضية انفاس الحاضر والمستقبل.