في الاحتفال الذي أقامته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو» بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، لفتت نظري الكلمة المختصرة عن اللغة العربية التي ألقتها أيرينا بوكوفا مديرة المنظمة، وعلى الأخص قولها بكلمات عربية ترحيبية: «إن العالم العربي لعب دوراً مركزياً في التقريب والتبادل بين الحضارات المتباعدة في القرون الوسطى، وإن الفضل في انتشار الأرقام المسماة بالهندية في العالم أجمع يعود للغة العربية، ما سمح بتطوير الحساب والجبر وأتاح للعربية أن تفرض نفسها كلغة عالمية للعلوم»، ثم تطرقت بوكوفا إلى أهمية التدريس باللغة العربية، قائلة: «إن تعليم العلوم بالعربية أمر بالغ الأهمية، وذلك من أجل التنمية المستدامة ولبناء مجتمعات المعرفة».
كما لفت نظري في ذلك الاحتفال ما قاله الأمير خالد بن سلطان آل سعود، من أن الجهل والضعف باللغة العربية الذي أصاب الكثير من أبناء العربية جعلهم أداة سهلة بيد الإرهاب، وبيّن ذلك بقوله إن الإرهابيين يغلفون الأحاديث الضعيفة بجرعة دينية مسمومة بعيدة عن صحيح الإسلام وسليم اللغة، لتمرير خططهم الشيطانية مستغلين جهل صغار السن لاسيما باللغة العربية. وأضاف الأمير خالد أن الجماعات الإرهابية تركز على اختيار آيات نزلت في ظروف خاصة تختلف عما نحن فيه الآن، محملاً المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والعالمية مسؤولية التصدي للإرهابيين، باعتبار الأطراف المذكورة مسؤولة عن الأمن اللغوي والعقائدي.
إن إهمال اللغة العربية قد تكون له آثار خطيرة على عقيدة الأمة وحضارتها وهويتها الوطنية، فاللغة هي انعكاس لثقافة الأمة وحضارتها وروحها ونمط تفكيرها، ذلك أنها وعاؤها الديني والحضاري وهوية الإنسان في وطنه، وهي ملكية رمزية لتفسير وتوصيل تراث الأمة، بل هي المدخل لتحقيق نهضة حقيقية. والأهم هنا أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي جزء لا يتجزأ من حقيقة الإسلام. وعندما تضعف اللغة العربية على لسان أبنائها ينعكس ذلك على تلاوة القرآن الكريم بصورة صحيحة، حيث تصبح محرَّفة وخاطئة، وهذا هو الخطر الذي حذّر منه الغيورون من أهل اللغة ودعاة الإسلام.القضية إذن ليست قضية لغة فحسب، بل قضية دين يسرق وشريعة تنتهك، إذ لم يعد خافياً على أحد المدى الذي وصل إليه الضعف في اللغة العربية، خاصة بعد أن تم تهميشها في بلدانها الأم على حساب اللغات الأجنبية، وأصبحت غالبية المناهج التعليمية والمجلات والكتب المعروضة في المكتبات باللغة الإنجليزية.
وأشير هنا إلى الاختبار الذي أجرته وزارة التربية والتعليم المصرية على طلاب الصف الثالث والرابع الابتدائيين، حيث اتضح أن نسبة كبيرة منهم لا يعرفون القراءة والكتابة، وتزامن ذلك مع حصول 200 ألف طالب في الشهادة الابتدائية على صفر في اختبار الإملاء (مايو 2015).
إن الكثير من معلمي اللغة العربية يعترفون بأنهم أصبحوا يخجلون من سماع الأخطاء اللغوية المتكررة يومياً على ألسنة الطلاب وفي كتاباتهم، بل اتسع الأمر وتشعب حتى وصل إلى أن وزير تربية في إحدى الدول العربية امتلأت كتاباته بأخطاء إملائية مفزعة!
إن إهمال اللغة العربية والإسراف في اعتماد التعليم باللغات الأجنبية في المدارس والجامعات، وإفساح المساحات الكبيرة لها على حساب العربية، أضعف إحساس النشء بالعربية، مما أورثهم العجز الذي نلاحظه على ألسنتهم وكتاباتهم. وما أخشاه هو أن يحول مثل هذا الضعف تاريخنا وتراثنا العربي إلى ألغاز وطلاسم كالذي نراه على جدران المعابد، ولنا أن نتوقع كيف سيكون حال اللغة العربية وأبناؤها مستقبلاً.