أعدَّ معهد «غالوب» الأميركي، نهاية عام 2014، دراسة أظهرت أن مؤشرات السعادة والتفاؤل مرتفعة في عدد من دول العالم. البحث شمل 64 ألف شخص من دول في كل القارات، بينها خمس دول عربية هي السعودية، والمغرب، والعراق، ولبنان، وفلسطين. خلاصة البحث أن 70 في المئة من المشاركين كانوا سعداء بحياتهم ومتفائلين بمستقبل بلدانهم.
استندت الاستطلاعات الى ثلاثة مؤشرات هي: مدى تفاؤلهم بمستقبل بلدهم خلال عام 2015، ودرجة إحساسهم بالسعادة في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومدى ثقتهم بتحقيق اقتصاد بلدهم ازدهاراً أكبر. وعلى رغم أن عام 2014 كان تعيساً بكل المقاييس، إلا أن غالبية المشاركين من الدول العربية عبّرت عن تفاؤلها بأنها ستكون أكثر سعادة. وجاء العراق في المرتبة قبل الأخيرة ضمن قائمة الـ 65 دولة، وعبّرت غالبية العراقيين عن رؤية غير متفائلة بالسعادة، في حين أن السعوديين والفلسطينيين والمغاربة واللبنانيين كانوا أكثر تفاؤلاً بعام سعيد. لكن نسبة المتفائلين تراجعت لدى سؤالهم عن الازدهار الاقتصادي المتوقّع في دولهم.
الأحداث التي شهدها عام 2015 كذّبت كل التوقعات التي وردت في الاستطلاع، وهذه النتيجة المخالفة لتوقُّعات الناس تعكس ضعف مستوى الاستطلاعات التي تُعدّ في العالم العربي، وتُنفَّذ بأساليب تفتقر إلى المقاييس والأمانة العلمية، وتشير أيضاً الى ان الإنسان العربي ينظر الى مستقبله من خلال صورة هذا المستقبل في وسائل إعلام بلاده والتي تسير على قاعدة «كل شيء جيد والدنيا بألف خير»... فضلاً عن أن هذا الإعلام الذي يضجّ بالدعاية والإنشائية، يبشّر، على الدوام، بالمستقبل الواعد استناداً الى توقُّعات، وليس إلى خطط سياسية وتنموية واقتصادية واضحة المعالم. وفي المحصلة فإن هذا النوع من الاستطلاعات هو نوع من الدعاية السياسية التي تثير تفاؤلاً مغشوشاً، يقع ضرره على الحكومات قبل الشعوب.
هذا النوع من الاستطلاعات يُعدّ في الدول الغربية، لكن النتائج لا تأتي مخالفة للواقع بهذه الطريقة، وعلى هذا النحو المثير للاستغراب والدهشة، ليس لأن الاستطلاعات تنفّذ وفق أسس علمية ومهنية، وتنفّذها الحكومات كجزء من خطط التنمية، وإنما لأن المواطن في الغرب يتعامل في حياته مع معلومات وحقائق، والحكومات هناك لا تستطيع ان تُطلق وعوداً من دون سند، بل تتبنى برامج تطرح بكامل الشفافية، وتحمل نسب النجاح، واحتمالات الفشل. وهي تفعل ذلك من اجل كسب تفاعل الناس مع مشاريعها، لذلك تصبح استطلاعات الرأي إحدى وسائل مراجعة الخطط وتطويرها، أو التراجع عنها، في حين تتحوّل الاستطلاعات في الدول العربية الى وسيلة لخداع الحكومات والناس في آن، والسبب انها تنفّذ من اجل خدمة الدعاية، وليس من اجل معرفة نجاح الخطط الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل عليها الدولة أو فشلها.