قبل حوالي مائة عام كان العالم يخوض حرباً كونية كبيرة أسماها بعد ذلك الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
وعلى الرغم من كل الحروب التي خاضها العالم قبل ذلك إلا أن شراسة الحرب العالمية الأولى والرقعة الجغرافية الكبيرة التي غطتها وحجم الخسائر التي لحقت بالبشرية والآثار النفسية التي لحقت بالمجتمعات العالمية جعلت التاريخ يطلق عليها «الحرب العظمى». أسباب تلك الحرب معروفة وهي تنامي العصبيات والأفكار القومية المتعصبة والتشدد الذي طال عقول البعض الأمر الذي جعل من العالم مكانا لا يسع الجميع.
لم تكن أسباب الحرب فكرية بقدر ما كانت استعراضا للقدرات العسكرية وآخر ما أنتجته الآلة الحربية من عدة وعتاد. كان استخدام الطائرات لأول مرة في الحرب أمر حسم المعارك لصالح طرف ضد آخر. كان انتهاء الحرب في عام 1918 فرصة لالتقاط الأنفاس والسعي نحو تعمير ما دمرته الحرب.
كما كانت فرصة للمنتصر لتقسيم الغنائم والمصالح وخاصة في أراضي المهزوم والتابع. مائة عام مرت منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى تغيرت فيها الكثير من الأوضاع وتبدلت فيها أحوال الكثير من الدول, فغابت دول وجاءت إلى الوجود دول أخرى وأصبح العالم قرية صغيرة بفضل تحسن سبل المواصلات والاتصال.
شيء واحد لم يتبدل وهو الخطر الذي يستشعره العالم من الأفكار المتعصبة والمتطرفة التي تفرز الإرهاب وتدفع العالم خطوات نحو الحروب والدمار. الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى والحرب على الإرهاب واحدة وهي التشدد والتطرف والتعصب ورفض الأخر الأمر الذي يجعل من العالم مكانا لا يسع الجميع.
وكما استهلكت الحرب العالمية الأولى الكثير من الطاقات المادية والبشرية وخلفت دماراً وأثاراً كبيرة تستهلك اليوم الحرب على الإرهاب أموالا كثيرة وتخلف ضحايا من المدنيين كثر وتستنزف الكثير من الطاقات والتي من المفروض أن توجه نحو التنمية والتطور والابتكار الذي يخدم البشرية.
وكما وقفت قوى ظلامية كبرى وراء الحرب العالمية الأولى تمولها وتمدها بالسلاح والعتاد وتجند لها كل الطاقات المتاحة آنذاك تقف اليوم وراء الإرهاب جماعات كبرى تمدها بالأموال والعتاد الحديث وترمي البنزين على النار حالما ترى النار وقد أخمدت وتضاءل شررها. الفرق الوحيد بين الحرب العالمية الأولى وحرب الإرهاب اليوم أن الأولى كانت استعراضا للقوة العسكرية والثانية هي استعراض لمدى القوة الفكرية.
القوى الإرهابية اليوم تعتقد بأنها تمتلك مشروعاً فكرياً قادراً على تغير العالم للأفضل ولكن منهجها ليس التعامل فكرياً مع الآخر ومحاورته والتواصل معه للوصول إلى اتفاق ولكن محاربته وإقصاءه والتخلص منه حتى ولو أدى الأمر إلى إنهائه من الوجود.
حزب الإرهاب جند دعاته ومفكريه ليس للتواصل مع الآخر ولكن إلى كيفية إقصاء الآخر كليا وجعل العالم مساحة خالية له فقط. إذاً فحربه ليست فقط عسكرية بل فكرية وعقدية وحرب وجود. وعلى هذا الضوء يتحرك العالم اليوم.
فالعالم اليوم في مواجهة قوة ليست كغيرها من القوى, فهي قوة لا إطار جغرافيا لها ولا حكومة واحدة تستمد منها أوامرها ومنهاجها ولا جيش منظم بل قوة منتشرة في بقاع عالمية كبيرة وفي شرق العالم وغربه. فإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد انبعثت من أوروبا وانتشرت في بقاع عالمية عدة فإن الإرهاب قد انبعث من خارج أوروبا ليضرب قلب أوروبا ويثير الذعر فيها.
في مواجهة الإرهاب نحن بحاجة إلى مشروع فكري يؤدي إلى وأد الإرهاب في مهده. فالقوى التي تقف وراء الإرهاب اليوم تعتمد على تجنيد الطاقات الشابة وعلى وسائل التقنيات الحديثة وعلى الحرب الفكرية التي من خلالها تصل إلى قلوب الشباب قبل عقولهم وتجعلهم يعتقدون بأن ما يقومون به هو الصحيح وهو الطريق إلى الجنة الموعودة.
إن تلك القوى الظلامية المتشددة تدرك حماس الشباب للأفكار التي يعتنقونها وبالتالي تعمل إلى الوصول اليهم وإقناعهم قبل تجنيدهم. إذاً فنحن بحاجة إلى مواجهة علمية وفكرية حقيقية نقارعهم الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة ولا نعتمد فقط على الحرب الكلامية والخطابة الحماسية والوعظ الديني.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة وانتقال الإرهاب من مكان إلى آخر في العالم أن القوى التي تقف وراءه مصممة على استكمال مشروعها الظلامي حتى ولو أدى ذلك إلى قيام حرب كونية جديدة. في مواجهة هذا التصميم فنحن بحاجة إلى استراتيجية عالمية جديدة وتكاتف دولي حقيقي لمواجهة هذا الخطر الأسود.