على نحو مفاجئ، خرج وزير الداخلية المصرية أمام الصحافيين ليعلن أن الإخوان هم من نفذوا عملية اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، وأن الأمر تم بتدريب وتخطيط من حركة حماس.
تعب الإخوان من نفي قصة العنف المسلح، وحتى بعض الشبان الخارجين عن صفهم (قلة نادرة) ممن انتهجوا سبيل العنف، ما زالوا أقرب إلى الهواة منهم إلى المحترفين، بينما كانت عملية اغتيال النائب العام، بمستوى متقدم من الحرفية.
والمثير أن قصة النائب العام قد تم طيها سابقا حين أعلنت السلطات عن قتل المجموعة المسؤولة عن العملية في إحدى الشقق، ما يطرح سؤالا حول دماء أولئك الذين قتلوا وهم أبرياء من دم الرجل!!
من الصعب محاكمة مثل هذه القصص بالمنطق، فالمشهد الأمني في مصر برواياته المركبة والمتناقضة لا يدع مجالا للشك في أن ما يجري هو استغلال سياسي لا صلة له بالعقل ولا بالمنطق، فجميع العمليات التي تبنتها «ولاية سيناء» التابعة لتنظيم القاعدة «أنصار بيت المقدس» سابقا، تم إلصاقها بالإخوان الذين لم يتوقفوا عن نفي صلتهم بأية عمليات مسلحة، مع العلم أن أحدا لا يحتاج إلى مثل تلك التأكيدات، فلو تبنى تنظيم بهذا الحجم مسار السلاح، لاشتعل البلد بالكامل، ولما توقف الأمر عند عمليات موسمية هنا وهناك.
واللافت أيضا هو أن اتهام حماس الذي لم تقدم السلطة عليه أي دليل له قيمة، جاء بعد أيام من ملامح انفراج في العلاقة بين الحركة وبين النظام المصري، وموجة غزل من بعض قادتها بمصر والعلاقة معها.
من يتذكر تلك الأحكام التي أصدرها القضاء المصري ضد شهداء من حماس، قضوا قبل الانقلاب، وعلى أسرى يرزحون منذ سنوات طويلة في سجون الاحتلال، ومن يتذكر الحكم بالمؤبد على طفل عمره أربع سنوات، لا بد أن يدرك أنه أمام تمثيلية سخيفة لها أهداف سياسية بكل تأكيد.
ما يمكن أن يُستشف من هذا الاتهام، بخاصة في شقه الإخواني في هذا التوقيت، هو أن النظام يريد القول لجميع الوسطاء بأن لا مجال للتصالح مع الجماعة، وإلا ما معنى أن يقول وزير الداخلية في المؤتمر الصحافي بأن رفض المصالحة «أمر محسوم»، وما شأنه بقرار سياسي من هذا النوع. وحتى لو صحّ أنها تورطت في العنف، فإن ذلك لا يمنع المصالحة، بدليل ما جرى مع الجماعة الإسلامية التي خاضت تجربة عنف طويلة ضد النظام انتهت بمصالحة في النصف الثاني من التسعينيات.
من الواضح أن وساطات من هنا وهناك (بعضها أصوات داخلية) كانت تضغط على النظام، لكن دولة البوليس لا تحتمل شيئا كهذا، لاسيَّما أنها تعيش أزمة شرعية منذ الانقلاب، وهي ماضية في تكريس نفسها، متجاهلة الجميع، وليس الإخوان وحدهم، بدليل ردة الفعل القاسية على مبادرة حمدين صباحي رغم استبعادها للإخوان.
من جانب آخر، يسعى النظام إلى تصدير أزماته الداخلية، وفشله على كل صعيد (آخرها تهاوي الجنيه أمام الدولار، فضلا عن مشكلة سد النهضة)، من خلال رفع شعار المعركة ضد الإرهاب، وبالطبع حتى لا يراجعه أحد في فشله، هو المنهمك في حماية الأمن وتوفير الاستقرار!!
هو ذات المسار الذي قلناه منذ اليوم الأول للانقلاب، ممثلا في دولة بوليس في الداخل، وتضييع لقضايا الأمة والأمن القومي المصري في الخارج (سد النهضة)، وما الموقف من المسألة الفلسطينية ومن العدوان الإيراني سوى دليل على ذلك، ويبدو أن السيسي يريد الجمع بين الرز الخليجي، وبين الدعم الإيراني (تحت الطاولة على الأرجح)، وهي معادلة تبدو صعبة، لكنه يحاول وسيظل يحاول دون جدوى حتى يتجمع الناس من جديد ضد وضع بائس على صعيد الداخل، وفي السياسة الخارجية أيضا.