لم أصدّق بصري، وأنا أشاهد الرئيس محمود عباس مطاطئًا رأسه بين يدي حاخام يهودي، يتلو عليه آيات تلمودية، ويعبّر له عن حسن ما يفعل تجاه اليهود. لم أصدّق سمعي، وأنا أسمع عباس يعبّر عن أحرّ التعازي لأسرة الجيش الصهيوني ومجتمعه، بوفاة الضابط الإسرائيلي الجنرال منير عمار، رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية التابعة للاحتلال. لم أصدّق سمعي وبصري، وأنا أشاهد محمود عباس على "يو تيوب"، وهو يؤكد أن قوات الأمن الفلسطينية التي تحت إمرته تدخل المدارس، وتفتش حقائب الطلبة الفلسطينيين، بحثًا عن سكاكين لمنع عمليات الطعن. وقال إن السلطات الأمنية صادرت أكثر من 70 سكينًا.
(2)
يتجاهل محمود عباس الذكرى الأربعين ليوم الأرض، ويتجاهل مشاعر الشعب، ويقوم باستفزاز شامل لكل أفراد الشعب الفلسطيني الرافضين الاحتلال الإسرائيلي، بل كل العرب الذين يؤمنون أن القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى، ويعملون، كلٌّ بطريقته، لتقديم الدعم والتأييد لنضال الشعب الفلسطيني، لنيل حقوقه المشروعة. في هذا السياق، يوفد عباس وفدًا كبيرًا لتقديم التعازي في جنرال إسرائيلي لم يصل لرتبته العسكرية تلك إلا إذا كان قد قتل كثيرين من أفراد الشعب الفلسطيني، أو أمر جنوده بقتلهم، من دون رحمة.
ينتسب الجنرال منير عمار الذي قضى نحبه قبل أيام إلى الطائفة الدرزية الفلسطينية، والتي يرفض معظم أبنائها تحت الاحتلال الخدمة في الجيش الإسرائيلي، لقناعتهم بأنه جيش احتلال، فيتعرّضون للسجن والملاحقة وتضييق دائرة حياتهم المعيشية، فماذا سيكون تبرير القائد الفذ محمود عباس لأولئك الرجال الرافضين للالتحاق بالجيش الذي يحتل فلسطين والجولان؟
(3)
يصر محمود عباس على التمسك باتفاق أوسلو الخبيث الذي لم يلتزم به الإسرائيليون، كما يصر على التمسك بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أجل حماية قطعان المستوطنين. ويصر على المفاوضات التي لم تجد نفعًا منذ عام 1993. راح يستجدي رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مقابلةٍ معه أجراها التلفزيون الإسرائيلي، تمنى عباس أن يجلس على طاولةٍ للتفاوض مع نتنياهو، وفي المقابلة التلفزيونية نفسها أعلن أنه ينتشي عندما يستمع إلى المطرب الإسرائيلي، ميشيل ياهو، وغيره من المغنين الإسرائيليين. كنت أتمنى بدلا من ذلك أن يعبّر عن امتعاضه وسخطه من القمع المسلح الذي يرتكبه جيش الاحتلال ضد الشباب الفلسطيني، أعني شباب الانتفاضة الثالثة التي يرفض محمود عباس تسميتها هذه، ويسميها "هبة". كنت أتمنى أن يستيقظ ضميره، ليعلن رفع الحصار عن غزة وإنهاء القطيعة بين غزة، ديار العزة والكرامة، والضفة الغربية، وأن يقرر العودة إلى قطاع غزة اليوم بمناسبة الاحتفالية بيوم الأرض. كنت أتمنى أن يتعلم من الدروس التي قدمتها حركة المقاومة في غزة في مقاومة الاحتلال والاحتفاظ بجنود إسرائيليين أسرى لديها، والدفاع عن غزة بكل الوسائل رغم الحصار الذي تفرضه مصر وإسرائيل بموافقة سلطة محمود عباس في رام الله.
ما يجري في الضفة الغربية على أيدي جنود الاحتلال من قتل لأطفال وشبان فلسطينيين من الجنسين، ونسف منازل ومصادرة أراضٍ، بذرائع مختلفة، منها محاولة طعن مجند إسرائيلي أو بتهمة حمل سكين، أو غير ذلك. كل هذا وأكثر هو نتيجة سياسات محمود عباس الهادفة إلى الارتماء في أحضان الكيان الإسرائيلي، وعدم الاكتراث بدماء الشعب التي تسفكها القوات الإسرائيلية على مقربة من منزله ومكتبه في رام الله، . في شهر مارس الماضي، اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 650 فلسطينيًا. وتفيد التقارير الفلسطينية الموثقة بأنه، منذ بدء الانتفاضة (الهبّة) ، في أكتوبر 2015، اعتقل أكثر من 4000 مواطن فلسطيني، واعتقلت القوات الإسرائيلية 128 طفلًا و16 سيدة وفتاة في شهر مارس الماضي، وعدد الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن فلسطين منذ بدء الانتفاضة في أكتوبر 144 شهيدًا. كل هذه الجرائم لم تحرك شعرة في رأس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأركان قواته الأمنية.
السؤال الذي يطرح نفسه: أين جهود الزعيم الملهم محمود عباس، صانع السلام للشعب الفلسطيني، كما يدعي، من هذه الجرائم؟ أليست مهمة الزعيم الدفاع عن الشعب والوطن والسيادة؟ أعتقد أن عباس لم يعد قادرًا على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.
وآخر القول: انتهت صلاحية الرئيس محمود عباس لقيادة العمل الفلسطيني وعليه أن يرحل بعد أن تضخمت ثروته. عليه أن يقضي بقية حياته بالاستمتاع بسماع الموسيقى والأغاني الإسرائيلية، لأنها تحقق له النشوة، كما قال.