هناك فئتان في الإمارات تستحقان عناية خاصة واهتماماً أكبر، وبالتالي سن التشريعات الحديثة التي تعيننا على التعرف على احتياجاتهما وتوفير الرعاية الكريمة لهما وحمايتهما من الاستغلال وسوء المعاملة.
الفئة الأولى هي فئة المسنين والذين خدموا المجتمع ويمثلون ماضيه، ومن حقهم علينا الآن احترامها وحمايتها وتوفير الحياة الكريمة لها، والفئة الثانية هي فئة الأطفال الذين يمثلون مستقبلنا ورصيدنا البشري. وكلتا الفئتين تحتاجان لقوانين وتشريعات تحافظ على حقوقهما وصحتهما النفسية وتوفر لهما الحماية من العنف والظلم والاستغلال.
وأخيراً أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل (وديمة). وسوف يعمل بهذا القانون اعتباراً من منتصف شهر يونيو المقبل.
وربما يعرف من يسمع عن هذا القانون أسباب تسميته. فوديمة طفلة إماراتية تعرضت للظلم والعنف حتى الموت على يد أقرب الناس لها. وشاعت قصتها التي أدمت القلوب وفتحت العقول على قضية قديمة - جديدة وهي قضية العنف والظلم الذي تتعرض له فئة الأطفال. فالأطفال، وهم الفئة الأقل حصانة، والمحتاجون إلى الرعاية ودفء الأسرة وحنانها، يتعرضون أحياناً إلى عنف جسدي ونفسي يؤثر ليس فقط على مستقبلهم ولكن على مستقبل المجتمع ككل.
المشكلات التي تعاني منها هذه الفئة كثيرة ومتعددة بعضها نتاج التفكك الأسري وغياب الوعي، والبعض الآخر كنتاج للمتغيرات المجتمعية الحديثة الحاصلة.
التفكك الأسري وغياب الوعي والخلافات الأسرية بين الوالدين ومشكلات الطلاق تؤدي في النهاية إلى حرمان الطفل من الأمن والأمان ومن الرعاية الاجتماعية اللازمة والتي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر الجسدي والنفسي بالطفل.
من ناحية أخرى هناك بعض مشكلات ظهرت كنتاج للمتغيرات المجتمعية الحديثة وهي فقدان الاهتمام والرعاية من قبل الوالدين، حيث دخلت عناصر أخرى في التنشئة الاجتماعية للوالدين، منها على سبيل المثال لا الحصر الخادمات الأجنبيات، ووسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والتقنيات وغيرها والمدرسة والنادي والرفاق. كل تلك عناصر دخلت على خط التنشئة الاجتماعية وأثرت فيها، وخاصة فيما يختص بالتنشئة الأسرية.
وبالتالي أصبح على المؤسسة الرسمية أن تأخذ كل هذه الأمور في الحسبان.
ومنذ فترة بعيدة بدأ الاهتمام بسن التشريعات لحماية الطفل خاصة في ظل تزايد القضايا والمشكلات الاجتماعية التي يتعرض فيها الطفل لمخاطر تؤثر على حياته ومستقبله وتحرمه من الأمان.
قانون وديمة ينص على حق الطفل في الحياة والبقاء وكل الحقوق الأساسية الأخرى ومنها حقه في التعبير عن رأيه طبقاً لسنه والنظام والآداب العامة، وحقه على والديه بالرعاية والحنان. وهذه القضية مهمة جداً، فالكثير من الأطفال يحظر عليهم التعبير عن آرائهم وبالذات في القضايا التي تخصهم، وبالتالي ينتج عنه كبت لرغباتهم، الأمر الذي يعرّضهم للتعبير عن آرائهم خارج إطار الفضاء العام أو يقعون ضحية للاستغلال وغسيل الدماغ أو ضحية لتيارات فكرية وأيدلوجية تمتص منهم رحيق حياتهم.
حوى قانون وديمة على عدد كبير من البنود التي من شأنها الحفاظ على حياة الطفل، وتجنبه عدداً من الأمور التي من شأنها التأثير على أمنه وصحته. فطبقاً لقانون وديمة يحظر بيع التبغ وما شابه لمن هم دون سن الثامنة عشرة، وهو الأمر الذي يتواءم مع القوانين والتشريعات العالمية التي تحظر بيع مثل هذه المنتجات لمن هم دون هذه السن.
وأيضاً نص القانون على حق الطفل في امتلاك المعرفة النافعة ووسائل الابتكار التي تعينه ليصبح فرداً نافعاً في المستقبل يفيد نفسه ومجتمعه.
كما نص القانون على حظر كل أشكال العنف ضد الطفل سواء داخل نطاق الأسرة أو المدرسة أو في الفضاء العام. فما يردنا بصورة دورية أن بعض الأطفال يتعرضون لانتهاكات نفسية أو جسدية سواء على أيدى الوالدين أو مدرسين أو في أحيان كثيرة في الفضاء العام على أيدي من يعهد لهم برعاية الطفل كالخادمات ومن في شاكلتهم. كما نص القانون على تجريم تشغيل الأطفال دون سن الخامسة عشرة وحمايتهم من الاستغلال الاقتصادي وتوفير التعليم لهم.
إن دولة الإمارات تسن مثل هذه التشريعات والقوانين بهدف حماية جميع شرائح المجتمع وتوفير الأمن والأمان والسعادة لهم. إنها تسنها ليس فقط بوصفها السلطة التشريعية والتنفيذية المكلفة بسن القوانين وإنما بوصفها سلطة تهدف إلى إسعاد الناس. فمتى ما تأثرت فئة من الفئات سلباً تأثرت باقي فئات المجتمع بالسلب. كما أن الاهتمام بالطفل هو اهتمام بمستقبل هذا المجتمع الذي لو صلح أفراده صلح جميعه.