أستغرب هذه الضجة في مصر على ترسيم الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وإنشاء جسر يربط بين البلدين يمكّن مصر من الوصول برا إلى الجزء الآسيوي من العالم العربي. والجسر أحد المشاريع العربية التي اعتمدت في مؤتمر القمة العربية في سرت في ليبيا عام 2010، ومؤداه مد خطوط السكك الحديدية والبرية بين الدول العربية لتسهيل التواصل بينها اقتصاديا وبشريا وعسكريا. وفي تقديري سيكون هذا المشروع إذا تم سيكون إضافة إلى دول المثلث العربي (مصر- الأردن- السعودية) في المديين، المنظور والبعيد.
(2)
لن نغوص في التاريخ بحثا في تنازع السيادة على جزيرتي صنافير وتيران بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر، فذلك في تقدير الكاتب مضيعة للوقت، لكن لا بد من الإشارة إلى أن حاكم مصر محمد علي باشا (1805- 1848) حكم بلاد الشام وحكم الكويت لأكثر من ثلاث سنوات، ووصلت قواته إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، وتشير كل الخرائط الجغرافية في ذلك الزمان ر إلى السيادة المصرية على هذه المناطق، فهل يحق لمصر اليوم أن تصر على السيادة على تلك الجزر موضع البحث بحجة أنها كانت تحت إدارتها منذ 1950؟ تظهر المراجع الجغرافية في خريطة مصر والسودان في عام 1895 الجزيرتين بلون الجزيرة العربية، والتي هي اليوم المملكة العربية السعودية، بخلاف لون جغرافية مصر والسودان.
لا جدال في أن الجزيرتين سعوديتان بحكم الجغرافيا والتاريخ، فهما تاريخيا تابعتان لإمارة تبوك، وقد كانت المنطقة تحت حكم دولة الأشراف في الحجاز التي انتهت سيادتها في الحجاز لصالح الدولة السعودية، وسجلت هذه الجزر ضمن جغرافية المملكة السعودية لدى الأمم المتحدة.
(3)
احتلت إسرائيل عام 1949 أم الرشراش الفلسطينية بقيادة إسحاق رابين، وبنت عليها مدينة وميناء أطلق عليه ميناء إيلات، وأقامت فيها مطارا وقاعدة عسكرية، ما أدى بالملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله عام 1950، إلى الطلب من الملك فاروق -ملك مصر في ذلك الحين- أن تكون هذه الجزر تحت الحماية المصرية تخوفا من الاعتداء الإسرائيلي على تلك المناطق، وكانت الدولة السعودية في طور التكوين ليس لديها قوات بحرية ولا جوية تستطيع الدفاع عن تلك الجزر في حالة العدوان الإسرائيلي عليها. أبلغت القاهرة والرياض بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بأنهما وبصفتهما الدولتين اللتين تسيطران على جانبي مدخل خليج العقبة، اتفقتا على وجود القوات المصرية في هاتين الجزيرتين، وبناء عليه فإن أي سفن تريد العبور عبر مضيق تيران، يجب أن تخطر السلطات المصرية بذلك.
(4)
تثور التساؤلات: لماذا تثير السعودية مسألة الحدود البحرية مع مصر اليوم؟ ولماذا صمتت عنها حقب من الزمان؟... يرد المتابعون لهذه المسألة على تلك التساؤلات بقولهم إن السعوديين لم يتركوا مناسبة منذ حكم الملك فيصل آل سعود مرورا بالملك خالد ومن بعده فهد وعبد الله وأخيرا سلمان، إلا وجاءوا على مناقشة أمر تلك الجزر. الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عند التوقيع على اتفاق كامب ديفد بين مصر وإسرائيل جاء ذكر الجزيرتين فاعترض أنور السادات، وقال عبارة مشهورة "لا يا عم الجزر دول مش بتاعنا دول تبع أرض الحجاز" ورفض ضمها إلى اتفاقية كامب ديفد.
بعثت السعودية في عام 1975 برسالة إلى البعثات الدبلوماسية المعتمدة في الرياض وإلى الأمين العام للأمم المتحدة تنبئهم فيها بأن جزيرتي تيران وصنافير أراض سعودية. وتشير التقارير الدبلوماسية بأنه لم تنقطع المراسلات بين وزارة الخارجية السعودية والمصرية لتثبيت الحقوق السعودية في السيادة على تلك الجزر الهامة.
(5)
يعتقد الكاتب أن الضجة في مصر ليست بسبب ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين المصرية والسعودية، وإنما الأسباب داخلية تتعلق بنظام الحكم في مصر الذي فشل في تحقيق أي إنجاز لصالح الشعب المصري، وكانت قضية الجزر السعودية القشة التي قصمت ظهر البعير. في الخامس عشر من أبريل الجاري خرجت مسيرات ضخمة في شوارع مدن مصرية تندد بالنظام السياسي القائم، ورددت عبارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، فالأمر ليس متعلقا بالجزر إطلاقا، ولكن النظام وطابوره من الإعلاميين والمرتزقة يحاولون تحويل أنظار الرأي العام المصري والعربي والدولي عن المأزق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه نظام المشير عبد الفتاح السيسي. لقد فشل في تحقيق أي إنجاز على المستويين الداخلي والخارجي رغم الأموال الخليجية التي انصبت على نظامه (زي الرز) والتي بلغت أكثر من أربعين مليار دولار لم يكن لها أثر في حياة الشعب المصري. خارجيا لم يحظ برضا أمريكا والمجتمع الأوروبي وروسيا رغم التقارب، إلا أنها فاقدة الثقة في مستقبل العلاقات بين الطرفين في ظل النظام القائم، وعربيا حدّث ولا حرج.
آخر القول: الجزر سعودية رغم الضجيج، ولن تستقطع من أرض المملكة تحت أي ظرف كان.