أحدث الأخبار
  • 05:24 . "علماء المسلمين” يعتبرون إبادة غزة جريمة إنسانية ويطالبون بانتفاضة عاجلة... المزيد
  • 11:56 . انطلاق الدورة الرابعة من "اصنع في الإمارات" في أبوظبي... المزيد
  • 11:56 . تحوّل "كلية ليوا" إلى "جامعة ليوا" بعد اعتماد رسمي من وزارة التعليم العالي... المزيد
  • 11:16 . ترامب يشيد بالعلاقات مع الإمارات وقطر والسعودية... المزيد
  • 11:09 . روسيا تحظر نشاط منظمة العفو الدولية... المزيد
  • 11:08 . القبض على سوري مشتبه به في طعن خمسة أشخاص بمدينة بيليفيلد الألمانية... المزيد
  • 09:13 . مقتل طاقم طائرة تدريب مصرية إثر سقوطها في البحر... المزيد
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد
  • 12:00 . كيف تعود صفقات ترامب "التاريخية" مع الخليجيين بالنفع على حفنة من النافذين؟... المزيد
  • 11:12 . الجيش السوداني يستعيد منطقة استراتيجية حدودية شمال دارفور... المزيد
  • 06:16 . حجم التجارة بين الإمارات وروسيا يتجاوز 9 مليارات دولار... المزيد
  • 01:37 . السعودية تستأنف نقل الحجاج الإيرانيين جوّاً بعد عشر سنوات من التوقف... المزيد
  • 07:33 . الاحتلال يرتكب مذابح في غزة تخلف أكثر من 130 شهيداً... المزيد
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد
  • 05:00 . السودان يتهم أبوظبي بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بعد إبعاد موظفين قنصليين من دبي... المزيد

رسالة إلى طاغية

الكـاتب : علي عبيد
تاريخ الخبر: 02-05-2016


سيدي الطاغية...

اقتل من تشاء.. كما تشاء.. في أي وقت تشاء.. بأي وسيلة تشاء.. وأي عدد تشاء، فلا أحد لديه وقت للتفكير في منعك من ممارسة هوايتك المفضلة هذه، ولا أحد لديه وقت للبحث عن سبب لتفضيلك هذه الهواية، ولا أحد لديه وقت لحصر عدد الذين تقتلهم كل يوم.

ولا أحد لديه وقت للبحث عن مخرج لهؤلاء الذين يتساقطون برصاص جنودك مثل الذباب، ولا أحد لديه وقت لسؤالك عما تفعل، ولا عمن تقتل، ولا متى ستكف عن القتل، ولا ماذا ستفعل بكل هذه الجثث وكيف ستتخلص منها، ولا كيف يحتمل أنفك رائحة كل هذا الموت الذي تنشره في أنحاء الوطن الذي تحكمه.

ولا كيف تنام عيناك وأنت تسمع صراخ اليتامى وأنين الثكالى، وبكاء من فقدوا أعز الناس، ومن باتوا بلا مسكن ولا مطعم، ومن هربوا إلى الملاجئ والمخيمات، ومن يصارعون الموج ليعبروا البحار بحثاً عن وطن بديل، ومن يتمددون على قضبان القطارات خوفاً من الترحيل، ومن يتجرعون السم هرباً من حياة ممهورة بالذل.

اقتل من تشاء.. كما تشاء.. في أي وقت تشاء.. وبأي وسيلة تشاء.. فمن تقتلهم مشغولون بأمور أكبر من التفكير في الوسيلة التي تقتلهم بها، ولماذا تقتلهم، وكيف تقتلهم، ومتى ستكف عن قتلهم، ومتى سيكفون عن الخوف منك، ومتى سيهربون من جبروتك. هم مشغولون بالبحث عن لقمة عيش أصبحت شحيحة على يدك، وعن مسكن أصبح حلماً في وطنهم، وعن مستقبل لم يعد يُصنَع بأيديهم، وعن ماض أصبح وهماً، لا يعرفون الحقيقة فيه من الخيال.

اقتل من تشاء.. كما تشاء.. في أي وقت تشاء.. وبأي وسيلة تشاء.. فمن يقولون إنهم يمثلون قتلاك مشغولون بالبحث عن هدنة وقتية، ينسج خيوط وهمها أولئك الذين صنعوا الشباك التي أوقعوهم فيها، وحفروا الخنادق التي دفنوهم فيها، وحبكوا الصراعات التي أدخلوهم فيها.

وقسموا الوطن الكبير إلى دول تتقاتل على الحدود، وأنظمة ثورية وأخرى رجعية، وغرسوا بذرة التعصب للدين والمذهب والعرق، حتى غدا أبناء الوطن طرائق قِدداً، تحكمهم الأهواء، ويقودهم أصحاب المصالح المتمترسون خلف الدين والوطنية كذباً وبهتاناً، فينقاد لهم الجهلة وهم مغيّبون، لا يعرفون إلى أين هم ذاهبون، ولا إلى أي منقلب سينقلبون.

اقتل من تشاء.. كما تشاء.. في أي وقت تشاء.. وبأي وسيلة تشاء.. فالعالم ينظر إلى قتلاك على أنهم فرائس ضعيفة، وينظر إليك على أنك دب منهك القوى، فلا قتلاك يقوون على مقاومتك، ولا أنت تقوى على مقاومة العالم من حولك.

وفي هذا فليتنافس المتنافسون على التهامهم والتهامك، فليس ثمة لحظة تاريخية أنسب من هذه اللحظة لاقتسام المغانم بين المتصارعين عليك وعليهم، والمختلفين على كل شيء إلا إياك وقتلاك، والمنقسمين على كل شيء إلا عليك وضحاياك.

كان السلام عصفوراً حبسه أبناء الوطن الذي زعمت أنه وطنك، في قفص جميل، وكانوا أطفالاً صغاراً يدورون حوله ويرقصون، وكنت «ديسماً» تنظر إليهم وإلى العصفور المحبوس ببراءة مصطنعة. كبر الراقصون، وكبر «الديسم» فأصبح «دباً» حادّ الأسنان طويل المخالب.

وبقي العصفور الصغير حبيساً في قفصه، ينتظر انقضاض الدب المفترس عليه وعلى أولئك الذين لم يعودوا يدورون حول القفص، وإنما حول أنفسهم، باحثين لهم عن مخرج من الورطة التي أوقعوا فيها أنفسهم، فكان المهرب منك إليك، وكانت الكارثة التي وجدوا أنفسهم غارقين فيها حتى الآذان، مستسلمين لها حتى البلاهة.

كان الوطن وردة، وكانوا يظنونك البستاني الأمين عليها، وكانوا ينتظرون أن يتحول الوطن على يدك إلى حقل ورود، فإذا بتلك الوردة تذبل، وإذا بحقل الورود الذي كانوا ينتظرون حقل جثث تكاد تسد وجه الشمس، يُروى بأنهار الدماء التي تسفكها كل يوم، ليشهد التاريخ أنك سفاح ماهر يجيد صناعة القتل، لا صناعة الأوطان التي تزدهر على أيدي أصحاب القلوب الرحيمة، وتموت على أيدي أصحاب القلوب القاسية المتحجرة مثل قلبك.

كان الزمن يمضي إلى الأمام، وكنت أنت تشده إلى الخلف، وكان أبناء الوطن الذي كنت تزعم أنه وطنك، يحسبون أنهم يسيرون نحو المستقبل، فإذا بهم يكتشفون أن بينهم وبين المستقبل بوناً شاسعاً لا يستطيعون تضييقه، لأن حركة التاريخ توقفت عندك، ولأن الكون تمحور حولك، ولأن حياة البشر أصبحت طوع أمرك، يا من أوهمتهم أنك أمة في رجل، وأن الكون كله أصبح رهن إشارتك، حتى لم يعد لغير حياتك قيمة عندك.

سيدي الطاغية...

لست سيدي بالطبع، ولا أنت سيد نفسك، فمن يقتل الوردة لا يصلح أن يكون حارساً لها، ومن يقتل النفس لا يصلح أن يكون أميناً عليها. وقد أوغلت في القتل والدماء حتى لم يعد لك مكان بين البشر الذين تدّعي أنك منهم، وتزعم أنك حافظ لأرواحهم.

فلتذهب إلى حيث ينتظرك الجزاء العادل، وحيث ستجد الطغاة الذين سبقوك إلى ذلك المصير، ولن تُعدَم الأمة رجالاً مخلصين، يعرفون للأوطان قدرها، ويحفظون للشعوب حقها، ويعيدون الأمور إلى مسارها. أما أنت وأمثالك من الطغاة فمكانكم معروف، ونهايتكم حتمية، وتاريخكم ملطخ بما جنته أيديكم.

سوف يعود لهذه الأمة ألقها، بعد أن تتخلص من الطواغيت، ومن أولئك الذين هم مشاريع طواغيت تمشي على الأرض لتزرع الفتن فيها، وتحاول إعادة عجلة الزمن إلى الوراء، طالما كان في الأمة رجال مخلصون، تعرفهم الأمة بسيماهم، وتشهد لهم أفعالهم قبل أقوالهم.