في كتابه «فلسفة الصيام بين القرآن والعلم»، يبين الدكتور محمد فتحي فرج المنزلة الكبرى والمكانة العظيمة والفضائل الكثيرة التي خص بها الله سبحانه وتعالى شهر رمضان المبارك وميّزه بها عن غيره من الشهور. ويشرح الدكتور فرج الفلسفة العميقة التي يتميز بها هذا الشهر والمعاني القيمة المتعلقة بمفهوم الصيام، وينقل لنا ما قاله العلماء والمفكرون حول فضائل هذا الشهر؛ ومنها ما قاله الإمام محمد عبده: «إن أمر الصيام موكول إلى نفس الصائم، لا رقيب عليه فيه إلا الله تعالى، وهو سر بين العبد وربه لا يشرف عليه أحد غيره سبحانه وتعالى، فإذا ترك الإنسان شهواته ولذّاته التي تعرض له في عامة الأوقات لمجرد الامتثال لأمر ربه والخضوع لإرشاد دينه مدة شهر كامل في السنة، ملاحظاً عند عروض كل رغبة له من رغائب النفس أنه لولا اطلاع الله تعالى عليه ومراقبته له لما صبر عن تناولها وهو في أشد الشوق إليها، لا جرم أنه يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للعمل ملَكَة المراقبة لله تعالى والحياء منه سبحانه وتعالى أن يراه حيث نهاه. وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمه وتقديسه أكبر مُعدٍّ للنفوس ومؤهل لها لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا ولسعادتها في الآخرة».
والصيام، في واقع الأمر، أعظم مدرسة إيمانية عرفتها البشرية، يتربى فيها الإنسان المسلم وفق منهج إيماني متكامل، يتعلم من خلالها كيف يربي نفسه ويروضها وكيف يعيد ترتيب حياته نحو الأفضل، بحيث يمتلك مستوى عالياً من الإرادة والتحمل والصبر يجعله أكثر قدرة على ضبط انفعالاته وردود أفعاله.
والصيام علاوة على كونه مدرسة إيمانية، فهو يعمل أيضاً على إضعاف حدة المادة في جسم الإنسان، ويوهن تسلطها على شخصه، فيجعله يندرج في فيوضات إيمانية روحانية. لذلك وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم كوقاية من حبائل الشيطان ومكائده، ووصفه لعلاج الأمراض النفسية والبدنية، وهو بالفعل أحسن وصفة لمن يريد تعزيز صحته وتجديد شبابه، وذلك بشهادة الأطباء وعلماء التغذية، إذ يمنح الجسم فرصة لتجديد جزيئاته الحيوية وخلاياه وأنسجته التالفة، حيث يقوم بوظائفه بشكل أفضل وبكفاءة أكثر، مما يساعد على إطالة العمر بقدرة الله تعالى.تناول ثلاث وجبات من الطعام يومياً، يؤدي إلى تحميل الجسم مقداراً زائداً من المواد التي تلحق به أبلغ الضرر، وهذا أحد أهم أسباب المرض. لذلك يؤدي الصيام إلى التخلص من هذه الزيادات الضارة بالجسم، وكلما اشتد الجوع بالصائم زاد احتراقها. وعندما تتخلص أجهزة الإخراج للإنسان من عبء إفراز الفضلات، فهي تكسب القدرة على التخلص من السموم المتجمعة في الجسم، وفي هذا تجديد لسائر أنسجة وأعضاء الجسم.
وفي الجانب الروحاني، فإن رمضان هو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن الكريم، لذلك قال الإمام فخر الدين الرازي: «في شهر رمضان نزلت هداية الله تعالى من السماء إلى الأرض، فناسب ذلك أن يفرض فيه الصوم، ذلك أن الصوم بما فيه من إمساك عن شهوتي البطن والفرج، فيه علو من الأرض إلى السماء بالتجرد الروحي الذي كان في الصوم، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه احتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)».