حين نكتب ونضع ما نكتبه على منصات البيع والتداول أمام الجميع، وندعو الكبار والصغار والمراهقين ليشتروا أفكارنا وشطحات أقلامنا، فعلينا أن نفكر مئة مرة في صناعة الذوق والذائقة والمعرفة، وفكرة القراءة التي تجند الدولة كل إمكاناتها للارتقاء بها، علينا أن ننتبه لما نزج به في عقول الناس، كما نفكر في الأموال التي نجمعها، فلا بأس أن نجني أموالاً من وراء كتابة وطباعة ونشر وبيع الكتب، لكن لنعمل ذلك بأقل قدر من الضرر.
مع الكتاب نحن لا نتعامل مع منتج عادي، حتى وإن تحول إلى سلعة، مع تطور آليات السوق والمجتمعات، إلا أن الكتاب لا يمكنه أن ينسلخ من كونه علماً وثقافة ومعرفة، إذن، لنعمل على بيع كتب جيدة، ممتعة ومصنوعة بطريقة جميلة وحرفية، فنحن لسنا رواد الصناعة، نحن نتعلمها من الآخرين، إذن، لنتعلمها على أصولها، والأهم ألا نشوهها ولا ندمرها.
في الإمارات يوجد توجه واضح المعالم، نحو تكريس القراءة كسلوك فردي وجمعي بين الناس، وهذا سيقود حتماً لتوسيع نطاق الصناعات والوظائف الكثيرة المرتبطة بصناعة الكتاب، إن القراءة وصناعة النشر، كلاهما يعتبران قيمة حضارية مضافة إلى أي مجتمع يؤمن ويعتني بهما ويدعمهما.
أهل هذه الصناعة، يعرفون أنه لكي ينتهي الكتاب بشكله النهائي إلى أيدي القراء، فإن عشرات الأشخاص المختصين والمؤهلين وأصحاب الخبرة والحرفية، سيعملون ليل نهار لتحويله من مجرد نص مكتوب على شاشة الكمبيوتر، إلى كتاب بدفتين، نبحث عنه ونشتريه ونقرأه، ونتعلق به، ويضيف إلينا ويغير فينا، هذا يعني وجوب وجود كتاب جيدين، وناشرين محترفين، ومحررين ثقافيين، ولجان قراءة ومدققين لغويين ومصححين، ولجان إجازة مطبوعات ثقافية، وموظفين لاستخراج الموافقات الرسمية، ومصممي الأغلفة وإخراج فني وخبراء ورق وطباعة، وشركات نقل وتخزين وشحن وتوزيع، ودعاية وإعلانات و... إلخ.
إن طباعة كتاب من 1000 صفحة، كطباعة كتاب من 100 صفحة، الإجراءات نفسها، والأخلاقيات والمعايير نفسها، فهذا منتج، وذاك منتج، وكلاهما سيقدمان للقراء، وسيسهمان في رفع معارفهم وذائقتهم، كما سيرفعان منسوب الثقافة في المجتمع، وسمعة الاحتراف بالنسبة لدور النشر، القصة ليست سهلة، وليست اعتباطية، وهي حتماً تحتاج أموالاً كثيرة وقوانين وتعلم وخبرة ورغبة في الارتقاء والتطور، أما مسألة الجدل حول تعارض مبدأ الربح مع الجودة، أو الثقافة مع التجارة، فلا أظن أن هناك تعارضاً إذا أحسنا إتقان الصنعة، وأجدنا الإنفاق عليها، وتعاملنا معها بوعي وجدية!
إن أكبر دور النشر في العالم، تجني أرباحاً خيالية من بيع الكتب، كما تحظى بسمعة عالمية، وتقدم كتاباً عظماء، وتحصل على جوائز رفيعة، لأنها تقوم على قوانين ومبادئ وحرفية عالية المستوى، وطبعاً، رؤوس أموال ضخمة!