أحدث الأخبار
  • 12:34 . "رويترز": القيادة السورية وافقت على تسليم متعلقات كوهين لـ"إسرائيل"... المزيد
  • 11:31 . فرنسا وبريطانيا وكندا تتجه للاعتراف بدولة فلسطين... المزيد
  • 11:25 . الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.. والتعاون الخليجي يرحب... المزيد
  • 11:14 . أبوظبي تقحم نفسها كلاعب أساسي في إدخال المساعدات إلى غزة... المزيد
  • 07:34 . "سي إن إن": "إسرائيل" تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية... المزيد
  • 07:31 . ترقية قائد الجيش الباكستاني إلى مارشال بعد اشتباكات الهند.. فمن هو عاصم منير؟... المزيد
  • 09:43 . السودان يتهم أبوظبي بالوقوف وراء هجوم بورتسودان... المزيد
  • 05:24 . "علماء المسلمين” يعتبرون إبادة غزة جريمة إنسانية ويطالبون بانتفاضة عاجلة... المزيد
  • 11:56 . انطلاق الدورة الرابعة من "اصنع في الإمارات" في أبوظبي... المزيد
  • 11:56 . تحوّل "كلية ليوا" إلى "جامعة ليوا" بعد اعتماد رسمي من وزارة التعليم العالي... المزيد
  • 11:16 . ترامب يشيد بالعلاقات مع الإمارات وقطر والسعودية... المزيد
  • 11:09 . روسيا تحظر نشاط منظمة العفو الدولية... المزيد
  • 11:08 . القبض على سوري مشتبه به في طعن خمسة أشخاص بمدينة بيليفيلد الألمانية... المزيد
  • 09:13 . مقتل طاقم طائرة تدريب مصرية إثر سقوطها في البحر... المزيد
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد

الانقلاب العسكري والتقلبات الفكرية

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 19-07-2016


ليلة عصيبة تلك التي مرت بها تركيا ومرت بها الأمة جمعاء، حين كادت تركيا أن تعود 20 سنة إلى الوراء على يد العسكر، لم أنم تلك الليلة وأنا بين هاتفي والتلفاز، متتبعاً الأخبار والتحليلات في لحظة مفصلية بدأت تلك الليلة ولم تنتهِ بعد، هذه اللحظة لها موقع استراتيجي في تاريخ الأمة، فتركيا هي السد المنيع الأخير أمام حالة الضعف التي نشهدها، التي يلعب العسكر فيها دوراً بارزاً، انتهت ليلتنا نهاية جميلة، ومع بزوغ شمس الصباح ارتاحت الأنفس وتأكد أن الانقلاب العسكري في شكله المباشر وضربته الرئيسية فشل فشلاً ذريعاً.
وبينما كانت الأمة التركية تنتفض في مواجهة الانقلاب كانت الأمة العربية تنتفض على طريقتها وحسب الاصطفاف المعهود بين ثلاث مجموعات.
المجموعة الأولى التي ينتمي معظمها إلى حزب مؤيدي السيسي وبشار وإيران خرجوا علينا بالصوت العالي بادئ الأمر، يشمتون ويشتمون ويتوعدون، من أولئك بعض الذين يتشدقون بالليبرالية الغربية ليل نهار، لكنهم عندما ظهرت أنباء الانقلاب أصبحوا فجأة ضد الخيار الديمقراطي ومن دعاة الفاشية العسكرية، تبخرت المبادئ والشعارات الليبرالية لتحل محلها صيحات القهر من نجاح نموذج الحكومة التركية الذي لا يستسيغونه لإسلاميته ولا يعترفون بعلمانيته ولا ديمقراطيته، أولئك رزقنا الله تعالى الشماتة بهم حين انتهى أمر المحاولة الانقلابية وظهرت صور منفذيها وهم في قبضة الأمن التركي، تغير طبعاً خطابهم فانقسموا بين مدعٍ أن الحكومة تقف وراء الانقلاب بهدف تعزيز سلطة أردوغان وبين متشدق بمبادئ القانون والديمقراطية وضرورة أن يتعامل أردوغان "برفق" مع مخالفيه، عموماً إلى مزبلة التاريخ نستودعهم.
المجموعة الثانية أمضت الليلة في حالة ترقب وقلق ودعاء مخافة سقوط النموذج التركي والأمل الأخير في نموذج ديمقراطي في المنطقة، تلك المجموعة انقسمت إلى فئتين، الأولى من أنصار الإسلاميين وكان موقفهم الفكري متسقاً مع نظيرهم العملي، فلم يواجهوا مشكلة في تحديد مواقفهم وتوجيه الخطاب نحوها، لكن بعضهم أخذته العاطفة عن العقل فكان الخطاب وعظياً بامتياز دون حساب للحالة السياسية، حتى بعد انتهاء الأزمة تجد مطالباتهم لأردوغان بالضرب بيد من حديد وبتعزيز سلطاته والتسريع في أسلمة الدولة خارجة عن النص، مما حدا أحد مستشاري أردوغان إلى وصفهم بأنهم يتجاوزون في مطالبهم مبادئ حزب العدالة والتنمية نفسه، وحقيقةً فإن الخطاب يُقبَل من عموم الذين ليس لديهم وعي سياسي كبير، لكنه لا يقبل من المتصدرين للمشهد باختلاف مواضعهم، فالحشد العاطفي مهم وطبيعي، لكن لا بد أن يوضع في سياقه المنطقي، الفئة الثانية هي من غير مؤيدي الإسلاميين لكنهم من أنصار الدولة المدنية والحكم الرشيد ومن المخلصين في ذلك، وهؤلاء أيضاً جاء موقفهم متوازناً بدعمهم للحكومة المنتخبة وإن اختلفت معهم فكرياً، هؤلاء كانوا نموذجاً مضيئاً لمستقبل المنطقة الذي نتمنى أن يكون فيه الاصطفاف على أساس العدالة والمطالب العادلة لا على أساس الاستقطاب الفكري والمصالح الحزبية الضيقة.
المجموعة الثالثة من المضطربين فكرياً، هي تلك التي تحاول دائماً أن تبدو بمظهر الحياد المشوه، أو بمعنى آخر يحاولون الابتعاد عن ما يعتبرونه مواقف "غوغائية" وهبات "شعبية" ليظهروا بمظهر المتنورين فكرياً، أولئك اعتادوا ممارسة الاستعلاء الثقافي والفكري على عامة الناس، واستناداً لذلك حاولوا الوقوف موقفاً متوسطاً بين الطرفين، بعضهم أخذ يتحدث عن أن أردوغان وحزبه لم يعوا الموازنات السياسية من حولهم، وعليه تعرضوا للانقلاب، كأن 16 عاماً من المناورة السياسية والعمل الدؤوب في تغيير وجه تركيا لم تكن كافية لإقناعهم، ثمَّة آخرون فضَّلوا لوم الطرفين باعتبارهما متماثلين فيتحدثون عن الأول باعتباره ديكتاتوراً متفرداً والثاني عسكرياً متطرفاً، وهناك آخرون وصلوا حتى لحد الدفاع عن كولن باعتبار أن له سيئات وله حسنات، وأنه لا ينبغي "شيطنته"، هذه المواقف المائعة تبدو في ظاهرها أنها تمثل نضوجاً فكرياً وخروجاً عن الانسياق في الحالة العامة، لكن الحقيقية هي أن هذه السطحية نفسها التي يتهم بها هؤلاء مخالفيهم في موقفهم من الانقلاب اتسمت بها مواقفهم، فعندما تسمع بعضهم ينتقد الحديث حول دور الدين والتدين والحس الإسلامي في دحر الانقلاب، تعرف أنه ينتقي من الموقف ما يريد، فهو يغمض عينيه عن رؤية المظاهر الإسلامية في الحشد ضد الانقلاب في الشارع التركي ويكتفي بالنظر لغير المحجبات في المظاهرات، هو يسد أذنيه عن سماع هتافات التكبير والحمد والصلوات والدعاء ويكتفي بسماع تصريحات المعارضة العلمانية، صحيح أن الموقف الشعبي التركي كان شاملاً ولم يكن من صنع الإسلاميين وحدهم، لكن التحليل الموضوعي لأحداث تلك الليلة لا يمكن معه إغفال دور الدين في الحشد الشعبي، كما حاول هؤلاء إظهار فوقيتهم من خلال ذمهم للمواقف الشعبية العربية باعتبارها ساذجة وعاطفية، ولهم نقول إن فوقيتكم السطحية وخطابكم الاستعلائي مما يتلاشى أمام الجماهير التي حتى إن كان طرحها سطحياً إلا أنها تقف مع الحق والمصلحة العامة من حيث المبدأ ولا تنجر إلى الخطاب المضطرب والحياد المصطنع كما تفعلون. الآن تمر تركيا بأحد أصعب التجارِب في تاريخها، ونسأل الله أن يحفظ أمنها واستقرارها وشعبها الذي سطَّر لنا دروساً في العزة والكرامة والنضج السياسي. الأمة اليوم في عنق زجاجة، وبعد الضربات المتتالية لروح الأمة ولآمالها كنا بحاجة لانتصار يعيد الأمل ويحرك المشاعر نحو عمل حقيقي يعيد للإنسان كرامته وللعالم تحضره وللدين رفعته.;