خابت آمال كثير من الناس بعد أن تأكد فجر السادس عشر من الشهر الماضي، فشل محاولة الانقلاب العسكري التي قامت بها مجموعة من الضباط الموالين للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة غولن، لإسقاط الحكومة التركية المنتخبة، وأصيبوا بصدمة شديدة ما زالت آثارها ظاهرة.
الضباط المشاركون في محاولة الانقلاب والداعمون لها كانوا متأكدين من نجاح خطة الانقلاب التي ظنوا أنها محكمة، وكانت سكرة القوة التي يشعرون بها أعمت أبصارهم وبصائرهم، ودفعتهم إلى تصور أحلامهم كأنها من فصول الواقع. وكان أحدهم يحلم بتولي رئاسة الأركان بعد نجاح الانقلاب، والثاني بتولي منصب آخر، والثالث بأن يستيقظ وقد سيطرت جماعة غولن على البلاد، ويحتشد عشرات الآلاف إلى المطار لاستقبال فتح الله غولن القادم من أميركا. ولكن أحلامهم الوردية هذه سرعان ما تبددت، بل تحولت إلى كوابيس تقض مضاجعهم، وتجعلهم ينفون بشدة علاقتهم بمحاولة الانقلاب وتنظيم الكيان الموازي الإرهابي.
البرلمانية السابقة مرال آكشنير كانت على رأس قائمة السياسيين الذين يحلمون بأن يكون لهم دور في حكم البلاد بعد نجاح محاولة الانقلاب. وحاولت قبيل المحاولة الفاشلة أن تسيطر على رئاسة حزب الحركة القومية وإسقاط رئيسه الحالي دولت باهتشلي بدعم سخي من خلايا جماعة غولن، إلا أن محاولتها فشلت قبل فشل محاولة الانقلاب.
آكشنير صرَّحت قبل أشهر بأنها ستصبح قريبا رئيسة الوزراء في تركيا، ولكن فشل المحاولة جعل هذا الحلم بعيد المنال. ومن الصعب جدا أن تجد آكشنير بعد اليوم موضع قدم في حزب الحركة القومية ولا في السياسة التركية.
ومن ضحايا الأحلام الانقلابية والحسابات الخاطئة، نجم المنتخب التركي السابق لكرة القدم هاكان شوكور، الذي دخل البرلمان التركي ضمن قوائم حزب العدالة والتنمية، ثم استقال من الحزب تلبية لدعوة جماعة غولن، بعد أن أعلنت الأخيرة حربا شاملة ضد الحكومة، وهرب مع عائلته وأمواله إلى الولايات المتحدة. وبعد أن كان من نجوم كرة القدم في تركيا، أصبح منبوذا وهاربا وغير محبوب لدى كثير من الأتراك.
وسائل الإعلام التركية نشرت قبل أيام رسائل إلكترونية يشتكي فيها شوكور من أوضاعه السيئة في الولايات المتحدة، ويقول إنه لم يتلق أي مساعدة من أعضاء الجماعة رغم أنهم يعرفون هروبه إلى أميركا، ويتساءل قائلا: «ماذا كنا وماذا أصبحنا؟»، في إشارة إلى تحوّل وضعه.
هؤلاء كانوا يعتقدون أن جماعة غولن تملك قوة خارقة قادرة على إسقاط الإرادة الشعبية في أي لحظة، وبالتالي راهنوا على انتصار الجماعة أمام الحكومة المنتخبة، ولكن رهانهم خسر، وخسروا معه شيئا كثيرا، وأصبح كل واحد منهم يحاول أن يفلت بجلده صارخا: «نفسي، نفسي».
هناك آخرون من زعماء أنظمة ودول غربية وعربية راهنوا على نجاح محاولة الانقلاب، وكانوا يرون في أحلامهم سقوط رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وسجنه ومحاكمته، على غرار سقوط الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وانهيار الاقتصاد التركي، وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية، إلا أن تصدي الشعب التركي لمحاولة الانقلاب بكل ما أوتي من قوة جعل هذه الأحلام تتبدد خلال ساعات ليعود كابوسهم أقوى من ذي قبل.;