تمر منطقة الشرق الأوسط التي نعيش فيها بمرحلة حساسة كأن الزمن يجري فيها أسرع من أي وقت مضى، وكأن الأحداث والتطورات الجسيمة تتسابق، الأمر الذي يجعل فهمها ومعرفة حقيقتها بحاجة إلى وعي كبير ويقظة دائمة، في ظل حملات التضليل والتشويه والاستغفال.
وفي خضم التقلبات السريعة التي تشهدها المنطقة، تدور نقاشات ساخنة حول قضايا وتطورات يصعب فيها التفاهم والحوار مع بعض الناس والاستمرار في النقاش بهدوء، لعدم وجود لغة مشتركة. لا أقصد هنا -بطبيعة الحال- تلك اللغة التي نتحدثها أو نكتبها، بل أقصد المصطلحات والكلمات بمعانيها ومدلولاتها، لأن الناس قد يتحدثون اللغة نفسها ولكن لا يفهم أحدهم الآخر، بسبب اختلاف المفاهيم والثقافات والمعرفة والتجربة والإدراك.
إن كان أحدهم يعتبر 100 سنتيمتر مترا واحدا والآخر يرى أن 90 سنتيمترا يشكل مترا واحدا، فلا يمكن أن يتفقا في عرض المساحة وطولها حتى لو قاموا بقياسها ألف مرة. وبالتالي عليهم أن يتفقا قبل تحديد طول أي مساحة أو عرضها في تعريف المتر الواحد.
ومما لا شك فيه أن مصطلح «الإرهاب» يأتي بلا منازع على رأس تلك المصطلحات التي لم نصل حتى الآن إلى اتفاق في تعريفها. وبسبب الاختلاف في تعريف الإرهاب ومكافحة الإرهاب لا يمكن أن نصل إلى حلول تقضي على هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن البلاد والعباد.
صعوبة التفاهم والحوار مع بعض الناس تنبع في بعض الأحيان من اختلاف الثقافات والمعرفة. وعلى سبيل المثال، لا يعرف معنى الحرية من لم يذق طعمها طوال عمره ولو لمرة واحدة، وبالتالي لا يفهم أسباب تضحيات الناس من أجل الحصول على الحرية أو الدفاع عنها.
قال لي أحدهم، تعليقا على المظاهرة التي تم تنظيمها في ميدان يني كابي بمدينة اسطنبول التركية وشارك فيها حوالي خمسة ملايين نسمة وفقا لتقديرات الشرطة التركية، بحضور رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان إلى جانب رئيس الحكومة وزعماء المعارضة، إن ثلاثين مليونا خرجوا في مصر لخلع الرئيس محمد مرسي، ثم أضاف: «هل هو حلال لكم وحرام عليهم؟».
ولكي تتحدث مع صاحب هذا التعليق حول الموضوع والإجابة على سؤاله، يجب أن يفهم أولا أن المظاهرات لا تحل محل الانتخابات مهما كان عدد المشاركين فيها ضخما، وأن مظاهرة يني كابي باسطنبول كانت من أجل التعبير عن رفض محاولة الانقلاب والدفاع عن الإرادة الشعبية، ولم تكن لتنصيب أحد أو خلعه.
تتحدث عن مساوئ الانقلاب العسكري، وتقول إنه احتلال مقنع واغتصاب للإرادة الشعبية والسيادة الوطنية بقوة السلاح ودعم خارجي، فيأتيك أحدهم ليقول لك إن بلدك فيه قواعد لحلف شمال الأطلسي. وبالتأكيد إنك ستجد صعوبة في إقناع هذا الأخير بأن القواعد العسكرية تقام وفقا للاتفاقات في إطار المصالح المشتركة وأن دول الاتحاد الأوروبي فيها أيضا قواعد عسكرية للناتو.
هناك صنف آخر من الناس تجد في التفاهم معهم صعوبة بالغة، ليس بسبب اختلاف المفاهيم والمصطلحات، بل لأنهم غير مستعدين للفهم والإدراك، ولا فائدة في النقاش معهم، لأنهم يكررون مثل الببغاء أو الأسطوانة المشروخة ذات الجمل التي يحفظونها من أسيادهم.;