كعادة الراقص على رؤوس الثعابين كما يصف نفسه، يراوغ صالح ويناور ويستخدم ذات الأوراق التي كان يلعب بها إبان حكمه قبل خلعه بثورة 11 فبراير 2011، وهي ابتزاز الخارج بورقة الإرهاب.
في آخر مقابلة له مع قناة روسيا اليوم، تعامل صالح مع اليمن كإرث خاص به وعائلته، يدعو من شاء للاستثمار فيها، ويبدي استعداده لتسليم قواعدها العسكرية والموانئ البحرية لموسكو، واستعداده للتعاون معها لمحاربة الإرهاب.
هكذا وبكل بساطة يدعو المتمرد على الشرعية المعاقب دوليا، دولة أجنبية لاستخدام مقدرات البلاد لصالحها، والمفارقة الشراكة معها لمحاربة الإرهاب الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع جماعات العنف، بحسب لجنة خبراء عقوبات الأمم المتحدة.
من سوريا إلى اليمن يغازل الرئيس الساقط والآيل للسقوط الغرب وخاصة موسكو، ويتحدثان كشريكين في محاربة ظاهرة عالمية، هما جزء من أسباب انتشارها وخروج الجماعات المتطرفة، لاستخدامهما القوة ضد المنتفضين ضدهما طلبا للحرية والحياة الكريمة.
يدرك صالح ألا مصالح حيوية تربط روسيا باليمن، لا اقتصاديا ولا عسكريا، ومع ذلك يتقرب منها ظنا أنها سوريا التي توجد فيها مصالح لها، دفعتها للتدخل الجوي لحمايتها.
يلعب الرجل على رغبة موسكو في فرض نفسها كلاعب دولي قوي بالشرق الأوسط، واستغلال الانسحاب الأميريكي، وطمعها في ابتزاز دول إقليمية وغربية بملفات سياسية واقتصادية، لكن كل هذا لن يدفعها لتدخل على غرار سوريا.
كان لموسكو إبان الاتحاد السوفيتي دور وحضور في جنوب اليمن لدعم نظام الحزب الاشتراكي الحاكم للجنوب من بعد دحر الاستعمار البريطاني عام 67، وحتى إعادة تحقيق وحدة شطري الوطن عام 90، وبعد ذلك خفت دورها.
الإرهاب والاستبداد صنوان لا يفترقان، والأول نتاج الثاني بتقديري، من خلال سد منافذ التغيير وقمع الحريات وإيصال الناس لمرحلة اليأس من إمكانية إسقاط الحاكم بإرادتهم الحرة عبر صناديق الاقتراع.
المقاربات الدولية لمواجهة هذه الظاهرة تدعمها وتزيد من انتشارها، والأخطر أنها تدعم الطغاة والمستبدين الذين ساهموا بشكل كبير في إنتاجها، ما يعني منحهم ضوءا أخضر للقمع والاستبداد، وتمكين الخارج من الداخل، وتقديم أنفسهم كوكلاء محليين لتحقيق أجندة الغرب على حساب شعوبهم.
لم يعد هناك من أمل لدى صالح لإنقاذه سوى محاولة الاستثمار بورقة الإرهاب مجددا، لكن هذه المرة بتقديم نفسه كشريك لروسيا وليس لأميركا التي كان رجلها إبان حكمه، ومنحها أجواء البلاد لاستباحتها بطائراتها المسيرة تصطاد من تريد وقتما تشاء.
وإذا كان الرجل ينظر لذلك كبارقة أمل ومخرج، فالشعب الذي ثار ضده سلميا قبل خمس سنوات وعاود الكرة بالسلاح بعد إجباره على ذلك، لن يسمح له ولن يمكنه من تحقيق ما يريد.;