للعرب شاعريتهم الخاصة في تعابيرهم اللونية! ربما كان مرجع ذلك إلى أن لوحتهم الطبيعية كانت غالباً صفراء، لذا فحين تزهو الألوان في محيطهم يبدعون في وصفها لعلها تبقى.. فدرجات اللون الأسود على سبيل المثال تراوح بين الأسود الحالك فالأسود حلكوك فالدجوجي ثم الغربيب، والأحمر إن علت درجته سمي بالأحمر القاني، والأبيض ناصع، والأصفر فاقع، والأزرق غامق، أما اللون الأخضر فيسمى «داكن».
وللون الأخضر الداكن خصوصيته المقرفة، فهو في الأيام المظلمة يبدو أسود مستأنث، وتكاد الدرجات اللونية الفاصلة بين اللون الأسود وبين الأخضر المتسخ بسواد الآخرين تتضاءل كلما غابت شمس الحضارة أو خفت أنوار المحبة والتسامح.
كنت أحاول أن أبرر بهذه الفلسفة اللونية موقفنا لعلاوي صديقنا العراقي السعيد بـ«تي-شيرت» أبناء الرافدين الأخضر أثناء مباراة العراق وأستراليا الأخيرة في تصفيات كأس العالم المزمع إقامتها عند بوتين.. لكنه نظر لي بطريقة «عزت الدوري» وقال شيئاً ما عن العروبة التي ماتت وعن شواربي التي لا تستحق أن تكون على وجهي، وإهانات أخرى كثيرة.. كنت كغيري من الشباب مستغرباً أنه جاء بالفعل اليوم الذي أشجع فيه منتخباً أجنبياً.. وربما أجنبياً جداً وهو يلعب أمام منتخب عربي.. العراق، الذي شجعناه صغاراً بشكل كبير.. وأحببنا فيه أسماء كثيره في الثمانينات.. حسين سعيد.. أحمد راضي.. رعد حمودي.. وذهبنا جميعاً لمآزرته في النادي الأهلي في دبي عام 96 حين لعب مع المنتخب الإيراني في أول ظهور له بعد انقطاع.. ومازالت جملة أحد المعلقين الرياضيين الحماسية بعد هدفهم الأول: المنتخب العراقي يكشر عن أنيابه في دبي!! ماثلة في الأذهان.. فما الذي تغير فينا؟ الحقيقة البسيطة أننا لسنا نحن من تغير.. ولكن ستبقى الرياضة طفلة صغيرة تدور في فلك عائلة السياسة.. لم يستطع أحد منا أن يتعاطف مع منتخب رأينا وسائل الإعلام تنقل صور أفراده واحداً بعد الآخر ينضمون لما يعرف بـ«الحشد الشعبي» الذي يصنف خليجياً كميليشيا إرهابية.. لم نستطع أن نتعاطف مع لاعبين رأوا أن مبارياتهم يجب أن تقام على أرضهم الثانية لأنها الأقرب لهم، وكانت المفاجأة أنهم يقصدون «طهران».. رياضة نعم ولكننا كنا نرى دماء إخوتنا في أيدي لاعبي الحشد الشعبي.. لا يمكنك أن تنتمي بكل صراحة إلى الشهنامة ثم تطلب مني أن أتلو عليك أشعار جلجامش قبل النوم!!
ما حدث في المباراة السابقة وما ظهر من ميل المشجع العربي عموماً والخليجي خصوصاً ليس سوى إشارة إلى ما في القلوب، وإشارة إلى أن الرقع يتسع بيننا وبين جزء جديد يكاد يضيع من هذا الوطن المتعب، والكرة في ملعب جلجامش الذي عليه أن يتذكر دوماً أن صديقه البشري الضعيف كان هو رفيق الدرب الحقيقي، وهو الذي في نهاية الملحمة ضحى بروحه كي يساعده على قتل الثور المقدس!!