لا خوف على روح الفريق! فقد أصبح الحديث عنها أحد لوازم تلك المحاضرات المملة التي تجبرك إدارة الـHR على حضورها مرتين في العام؛ صيفاً وشتاء، يجب أن يكون هناك ذلك البروجيكتور الذي لا يعمل حين ترغب في أن يعمل، ويعمل حين لا ترغب في أن يعمل، هناك المحاضر الممل إياه يعرض صورة رأيتها ألف ألف مرة، وأرسلت إليك بعدد ما حج الحجيج، تظهر مجموعة من الأغبياء يقومون بعمل ما وقد كتب أحدهم أسفلها عبارة من العبارات التي يصنفها الإداريون جملة «محفزة»، تنتهي المحاضرة ولا يفكر أحد بتجميع الدفاتر الصغيرة التي كانت موضوعة أمام المستمعين، تلك هي المتعة الحقيقية إذا كنت تريد أن تعلم، هل تعتقد بأنهم كانوا يكتبون ما يقوله المحاضر عن الفريق؟ هل ترى تلك الصفراء في المقدمة، لقد كانت تكتب خواطر بعد أن أقنعها أحدهم بأنها تكتب خواطر جميلة؟! الحقيقة التي لا تعرفها هي أن أي شيء تكتبه في مرحلتها العمرية الحالية وبشكلها الحالي سيكون جميلاً! وذلك بسبب أنزيم الذكورة في المتلقي؛ أمّا الحقيقة التي لن تعرفها فهي أنها نسخة أنثوية من الشاعر الفطحل صقر الشحي، حاول أن تنظر في دفتر الشخص الآخر المتأنق على اليمين ستجده يمتلئ بالدوائر والمربعات التي لا تفهمها! ساعتان من المحاضرة رسم فيهما المتأنق عشرات الدوائر والمربعات والخطوط، أنت من هذا النوع، إذن دعني أقول لك: إن هذه الشاكلة من المستمعين لا تخرج عن صنفين؛ فإما أنك عاشق لألعاب الخدع البصرية، وتحاول الوصول الى معادلة رسم الدائرة السحرية التي تدور وهي في الحقيقة لا تدور، أو أنها محاولة تنفيس لعقدٍ طفولية أنت أعلم بها مني.. كلنا ضربنا على أي حال!
المزيد من الدفاتر، هناك دفتر السمين في الخلف! الحق أن لديه يدين مذهلتين، ما هذا الخط الجميل والعبارات الدينية، عشرات الابتهالات بخطوط النسخ والثلث والديواني، لا تعرف لماذا يذكرك بقدري زميل أدهم صبري، الكثير من الآيات والأحاديث تشعر بأنه قد راجع ألفية ابن مالك أثناء محاضرة روح الفريق، ولكن يصدمك بيت الشعر الذي خطه بعناية على الغلاف الأمامي: «المجد لمن قال لا في وجه من قالوا نعم!».. من أنتم؟ تحسن الظن ربما كان يقصد لا التشهد! ثبت قلوبنا على دينك، دفتر مستمعة أخرى في الخلف، تلعب لعبة جميلة لتزجية الوقت ترى في دفترها كل ما قيل في المحاضرة مكتوباً بإنجليزية جميلة! إنها تُمارس لعبة الترجمة الفورية لما يقوله المحاضر، يبدو أنها في انتظار اختبار شهادة «التويفل» قريباً، وهذا نوع من التنشيط الذهني، رغم أن دفاترهم تشي بأنهم فريق درجة سابعة وأن كلاً منهم في عالمه الخاص، إلا أنك تعلم بأن المنظومة الهيكلية للمنظمة ستجعلهم فريقاً، وستبث فيهم روح الفريق أمراً لا لطفاً! ولكنك مع اقتراب كل عيد لا تعبأ بروح الفريق فلها منظروها، ولكن ما يقلقك فعلاً هو روح «الفريج»، تلك الروح التي بدأت تخفت في كل عام، نصفهم هاجر إلى المناطق السكنية الجديدة، ونصفهم هُجر إلى دول العالم الجديد.
اختفت «عندكم سكر؟»، واختفى المبيت المشترك، واختفت لعبة الحرارات الموسيقية التي تتبادلها ربات البيوت بالبضاعة نفسها، واختفت أصوات الشلق، واختفت تلك الطفلة التي ترن الجرس يوم العيد على استحياء بين عزة نفس ورغبة طفولية، واختفت حنة لحية ذلك الرجل الصالح، واختفت رائحة أعرفها، ولكن لا أعرف اسمها!
ما أصعب أن تبقى في فريج..
لم يبقَ فيه أحد!