أن يصدر قانون لتنظيم السياحة أو الاقتصاد أو قطاع الفندقة أو الصحافة أو... فذلك من الأمور البديهية التي تتبارى الدول في إقرارها، وتتسابق على التنافس في أيها يكون الأفضل والأسرع والأكثر تسهيلاً، لكن أن تصدر دولة ما قانوناً لترسيخ القراءة يضع أطراً تشريعية وتنفيذية حكومية لجعل القراءة أسلوب حياة، ولجعل الكتاب مادة للتنافس بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، فهذا الأمر يحدث لأول مرة، ويحدث في الإمارات تحديداً.
دعونا نقول إنه ليس بجديد على الإمارات أن تكون سباقة دائماً بعد أن جعلت التميز استراتيجية وليس مجرد شعار رنان، الأمر اليوم أن هذا القانون يخدم توجه القراءة واستراتيجية السعادة معاً، فكل الآليات التي تحدث عنها قانون القراءة تدفع باتجاه توفير فضاء ثقافي راقٍ يستفيد منه الجميع دون استثناء.
إن أهم ما يميز هذا القرار أنه رئاسي يصدر عن قمة هرم السلطة، ثم إنه غير مسبوق عربياً، إضافة إلى أنه يأتي في فترة تغرق فيها المنطقة بفتن وأزمات تؤجل كل مشاريع النمو والتنمية والبناء، بينما ينطلق قطار العمل والتنمية في الإمارات دون أن يلتفت للوراء، هذا واحد من أبرز ملامح العمل في الإمارات، نمضي للأمام في أكثر الأوقات صعوبة.
حيث يتوقف الجميع عن الحركة خوفاً من الخسارة أو المجازفة! ينص القرار على أن القطاع الخاص سيحظى بفرص جيدة للحصول على منح من الدولة للاستثمار في قطاع المكتبات والكتب وبناء المراكز الثقافية، وسيحظى الموظف بحق الحصول على وقت مستقطع لممارسة القراءة التخصصية بما يثري تخصصه في العمل، وسيحظى التلميذ بمكتبات وكتب جديدة وساعات للقراءة باستمرار.
كما سيحظى المواليد الجدد بحقيبة كتب معرفية منذ ولادتهم، أما فيما يتعلق بالفضاء العام، فإن قانون القراءة يسعى لترسيخ الكتاب كأحد المظاهر الحضارية في مجتمع الإمارات، ملزماً المقاهي في المراكز التجارية بتوفير مواد القراءة لمرتاديها، وسيكون هناك صندوق وطني لدعم مبادرات القراءة أسوة بالصناديق الاستثمارية الوطنية الكبرى، كما يلزم وسائل الإعلام العامة بتخصيص مساحات برامجية للتشجيع على القراءة.
الأهم أن كل صناعة الكتاب، تأليفاً وطباعة ونشراً، ستحظى بالدعم الذي لطالما طالب به أهل هذه الصناعة، المهم أن يعمل الجميع على الارتقاء بالكتاب وبالذائقة حتى لا تتحول القراءة والكتب إلى مشاريع تجارة تتساوى مع أي تجارة أخرى، وهذه وظيفة المثقفين والمعنيين بالكتاب والقراء أولاً وأخيراً.