في الكتابة بشكل عام هناك الكتابة الإبداعية (كتابة الروايات والقصص مثلاً)، والكتابة الصحفية التي تأتي على شكل مقالات وأعمدة، في الصحافة يبقى الشكل أو القالب ثابتاً، فالمقال والعمود يبقيان في نهاية الأمر مجرد أشكال صحفية لا تتغير، أما ما يتغير فهو المضمون أو المحتوى الذي يسكبه الكاتب في قالبه الخاص.
أما الاختلاف بين العمود السياسي والعمود الثقافي والعمود الاقتصادي وعمود المعلومات أو البوح العاطفي أو العمود الاجتماعي، فيعود لاهتمامات الكاتب وثقافته واختصاصه، فإذا اتسعت ثقافة الكاتب وعلاقاته وخبرته الصحفية مكّنه ذلك من أن يكتب في مجالات مختلفة.
وهناك ما يمكن أن نسمّيه بالكتابة البسيطة التي لا يمكننا أن نغض الطرف عنها، حتى وإن وجد هناك من يهاجمها أو يتفّهها! انتقاد الكتابة البسيطة يقوم به أشخاص لا يقيمون وزناً للحياة الحقيقية، فالحياة في التفاصيل الإنسانية وليست في الصور التي تبثها وكالات الأنباء، الحياة فيما وراء الصورة أكثر مما هو على ظاهر في الصورة فعلاً!
الكتابة التي نسمّيها بسيطة لا علاقة لها مباشرة بالسياسة والاقتصاد والأزمات والصراعات، لكنها تهم كل الناس، لأنها تعنيهم وتتحدث عنهم وتخاطبهم مباشرة، إنها الكتابة التي يقرؤها الناس بشغف، ويتبادلونها على مواقع التواصل.
قد تتحدث هذه الكتابة عن ظواهر وسلوكيات إنسانية لا يلتفت إليها الكتّاب عادة، فهؤلاء معنيون بالقضايا الكبرى، لكنهم غير معنيين بالحديث عن اهتمامات الناس بتربية الحيوانات مثلاً، ولا عن رغبة هؤلاء في وجود حديقة ملاصقة لمنازلهم لأنهم يفتقدون اللون والخضرة، لا أحد من الكتّاب سيتحدث عن قط السيدة (...) الذي فقدته وعاشت حزينة لزمن عليه، لأنه كان قط حفيدها الذي توفي العام الماضي، ولا عن أحوال أولئك الذين فقدوا ابنتهم التي سقطت من بلكونة الطابق العشرين..! أو عن أطفال الجيران الذين لا يظهرون في أزقة الحي كما أيام زمان..
كتابة بسيطة، لكنها عميقة تلامس القلب، تصف حال الكثير من الناس وإشكالاتهم، قد تنتقدهم، لكنها لا تجاملهم، ولا تحرف انتباههم صوب قضايا بعيدة لا تعنيهم، تحدثهم عن أمراض الحداثة فيهم، وإهمال أبنائهم لصالح الخدم، ودلالة تباهيهم بتصوير الممتلكات الشخصية على مواقع التواصل، إنها لا تحدثهم عن داعش، ولا عن الانتخابات في الكويت، ولا عن الزلازل في إيطاليا، ولا عن الحرب في الموصل وسوريا، تحدثهم عن ما يعنيهم هم لا ما يعني الآخرين، فيرتبطون بها ويحبونها، لأنها على بساطتها تهتم بهم، بينما تلك القضايا الكبرى يتحدث عنها كل الإعلام في كل الدنيا وبكل اللغات!